دخلت عملية التأليف الحكومي في المنطقة الحسّاسة، ما جعلَ وتيرة اللقاءات بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي تتراجع الى حدود الانعدام بذريعة انّ اي لقاء بينهما لن ينعقد بعد الآن إلّا بعد ان تكون الاتصالات قد مهّدت لإنجاحه، وعلى هذا الاساس لم ينعقد لقاء الثلاثاء الماضي، وكان الكلام عن أنه لم يكن مقرراً أصلاً.
تتنوّع السيناريوهات المتداولة حول الاستحقاق الحكومي في كل الاوساط السياسية المَعني منها به وغير المعني، لكن تحكمها معادلة يرددها البعض، وهي إمّا يكون رحيل او ترحيل الرئيس سعد الحريري عن التأليف والمجيء بالرئيس نجيب ميقاتي خلفاً له لتأليف الحكومة الجديدة عنوان اتفاق بين عواصم القرار على أنه كفى لبنان انهياراً وينبغي تأليف حكومة إصلاحية فيه تسير في معالجة الازمة بكل مستوياتها على وَقع المفاوضات الجارية لتسوية الازمات الاقليمية، وإمّا العمل على إحباط مهمة ميقاتي في التأليف ليكون هذا الأمر عاملاً دافعاً للبنان الى الانهيار الكبير الذي يقال انّ بعض العواصم تريده للشروع بعده في إعادة بنائه من جديد وفق إرادتها، وهي ربما باتت تحبّذ بقاء لبنان من دون حكومة كاملة المواصفات الى حين إجراء الانتخابات النيابية على الأقل إن لم يكن حتى نهاية ولاية الرئيس ميشال عون.
ويرى فريق من السياسيين انّ ما برز من تعقيدات وشروط وشروط مضادة في عملية التأليف الحكومي يكاد يكون نسخة طبق الاصل عمّا كانت عليه الحال أيام تكليف الحريري. فعلى رغم الايجابية التي يعبّر عنها المعنيون، ولا سيما منهم عون وميقاتي، فإنّ ما يرشَح عن طروحاتهما المتبادلة يَنمّ عن أنّ التأليف لم يختلف بعد في مناخه عمّا كان ايام الحريري. ففي الوقت الذي يتمسّك ميقاتي بتوزيع الحقائب الوزارية السيادي منها وغير السيادي والخَدماتي منها وغير الخدماتي، وفق ما هي الحال في حكومة الرئيس حسان دياب التي تصرّف الاعمال، يرشح في المقابل انّ عون يتمسّك بأن تكون وزارة الداخلية ضمن الحصة المسيحية المَحسوبة عليه، كذلك يتمسّك بـ»الثلث المعطل»، وقيل إنّ ما تردّد أخيراً من أنه يريد 12 وزيراً، إنما يحمل في مَطاويه تعبيراً عن رغبة رئاسية بالاستحواذ على الثلث المعطّل، أي 8 وزراء زائداً واحداً اذا تألفت الحكومة من 24 وزيراً.
والواقع انّ ميقاتي يحاول ان يُظهر من خلال تمسّكه بإبقاء القديم على قدمه في توزيع الوزارات، رغبةً في حصول التأليف وفي ان يقبل الجميع ويُقرّوا بواقع انّ الحكومة العتيدة هي حكومة انتقالية أقسى ما يمكن ان تُنجزه في هذه العُجالة هو إجراء الانتخابات النيابية ووضع البلاد على سكّة المعالجة المالية والاقتصادية بإطلاق مفاوضات مع الصناديق المالية الدولية ومجموعة الدول المانحة. ويحاول ميقاتي ان يُقنع الجميع عدم تمسّكه بهذه الحقيبة او تلك في اعتبار انّ المرحلة لا تحرز، وانّ الحكومة هي حكومة انتقالية وأوضاع البلاد لا تتحمّل تَرف التنافس على الحقائب الوزارية على اختلافها.
لكنّ الرئيس المكلّف هنا يتصرّف وفق رؤية رؤساء الحكومات السابقين التي ترشّح لرئاسة الحكومة على أساسها، بحيث أنه لا يمكنه المحيد عن هذا الامر الذي هو بمثابة الحد الأقصى الذي يمكن ان يتساهل فيه من موقعه كرئيس مكلف يُعطيه الدستور الصلاحية الاولى في عملية التأليف الحكومي.
ولكن يبدو انّ هناك خلافاً على صلاحية التأليف قد بدأ بين عون وميقاتي مثلما كان أيام الحريري، واذا صحّ انّ رئيس الجمهورية يريد «الثلث المعطّل» فإنّ ذلك يدلّ الى وجود خلاف على حدود الصلاحيات الرئاسية في مجال التأليف الحكومي. ولذلك، فإنّ البعض يرى انّ مصير الاستحقاق الحكومي بات متوقفاً على ما سينتهي اليه النقاش، سواء في الصلاحيات او في تركيبة الحكومة وتوزيعة الحقائب فيها. ويُقال في هذا المجال انّ ميقاتي، وخلافاً لطول الأناة التي اتّسَمَ بها الحريري خلال فترة تكليفه، لن يصبر لأكثر من نهاية الشهر الجاري، فإذا لم يتوصّل الى اتفاق مع المعنيين على الحكومة فإنه لن يتردد في الاعتذار لاقتناعه انّ البقاء طويلاً في حلقة التأليف غير مُربح له سياسياً ولا انتخابياً حيث يستعد للاستحقاق النيابي، وانّ الاعتذار قد يكون مُربحاً أكثر في هذه الحال. وقد بدأ البعض يرمي كرة تعطيل التأليف في ملعب رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر» برئاسة النائب جبران باسيل، الذي ما ان ينتهي لقاء بين عون وميقاتي حتى يُسارع بعده الى القصر الجمهوري للقاء رئيس الجمهورية، تماماً كما كان يفعل أيام تكليف الحريري.
ماذا لو اعتذر ميقاتي في نهاية المطاف؟
يجيب البعض انّ البلاد ستكون مرشّحة لأن تشهد تفاقماً كبيراً في الازمات السائدة خلال الاشهر العشرة الفاصلة عن الانتخابات النيابية، وذلك في حال لم تؤلّف الحكومة. ويكشف هؤلاء أنه في حال اعتذار ميقاتي، فإنّ البيئة التي ينتمي اليها ستكون لها ردة فعل لافتة قد تصل الى حد «مقاطعة» أيّ استشارات تكليف جديدة يدعو اليها رئيس الجمهورية، وبالتالي مقاطعة الاستحقاق الحكومي كلياً حتى لو تمّ تكليف خلفٍ لميقاتي، ما يعني انّ الاخير قد يكون في هذه الحال آخر المكلّفين تأليف الحكومة، أقلّه حتى الشروع في تأليف حكومة جديدة في ضوء نتائج الانتخابات النيابية المقبلة التي يفترض أن تفرز طبقة سياسية جديدة.
الّا انّ بعض السياسيين يقولون انّ ميقاتي اذا اعتذر عن التأليف فإنه سيُقفل عن قصد او غير قصد نادي رؤساء الحكومة السابقين الذين أعطوا لأنفسهم صلاحية احتكار تسمية مَن يرغبون الدخول الى السرايا الحكومية، إذ إنه ربما يحصل في هذه الحال ضغوط دولية للذهاب الى خيارات اخرى موجودة لرئاسة الحكومة، لأنّ البلاد لا تتحمل البقاء من دون حكومة أكثر ممّا هي عليه الآن من انهيار وتدهور.