قبل نحو اسبوعين، وتحديداً في 25 تموز الماضي، خرج ملك الاردن عبدالله الثاني من البيت الأبيض وأدلى بكلام في قمة الخطورة عن لبنان.
زيارة الملك الاردني كانت بمثابة اول اجتماع لزعيم عربي مع الرئيس الاميركي جو بايدن بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الاميركية. وهو ما يحمل دلالات كثيرة، إن على صعيد الداخل الاردني بعد الأحداث التي حصلت مع شقيق الملك، او حتى على صعيد الموقع الجغرافي للاردن، وسط الكباش الحاصل مع ايران حول الاتفاق النووي. لكن ملك الاردن، وبعد اجتماعه بالرئيس الاميركي، وخلال لقائه بأعضاء الوفد الاعلامي المرافق، حذّر من خطورة تدهور الاوضاع في لبنان خلال الاسابيع المقبلة، اذا استمر الوضع على ما هو من دون تحقيق انفراجات.
وتحدث الملك الاردني عن مجاعة وشيكة ستحصل في لبنان، مضيفاً أنّ هذا ما تمّ طرحه في كثير من النقاشات التي اجراها في واشنطن. وختم قائلاً، إنّه وفي غضون اسابيع قليلة ستصل الازمة الى اسوأ حالاتها.
وكلام الملك عبد الله الثاني من واشنطن كانت له دلالاته العميقة. وفي الأمس، وصل رئيس جهاز المخابرات الاميركية وليام بيرنز، والذي كان يُعتبر كأحد ابرز الديبلوماسيين الخبراء في شؤون الشرق الاوسط، الى اسرائيل، حيث التقى نظيره الاسرائيلي، وتابع جولته على المسؤولين الاسرائيليين الكبار. وقيل إنّ هدف الزيارة هو التنسيق في شأن الملف الايراني. والتنسيق هنا ليس بين وزارتي الخارجية، بل بين جهازي استخبارات البلدين، والأهم أنّ مجال البحث شمل سوريا والساحة اللبنانية حيث «حزب الله».
لا شك في انّ العيون الاميركية والاسرائيلية تراقب عن كثب لحظة الانفجار الكبير في لبنان، قبل الانطلاق في مشاريع التوظيف السياسي.
خلال الايام المقبلة سيزداد سواد اللوحة اللبنانية، هي اللحظة التي حذّر منها ملك الاردن من واشنطن. الاموال في مصرف لبنان وصلت الى حدود الاحتياط الإلزامي، وهو ما يعني انّ سياسة الدعم ستتوقف كلياً وبحكم الامر الواقع واستتباعاً تماماً، الّا اذا حصل ذلك وفق السعر الحقيقي لصرف الدولار، وبالتالي فإنّ ازمة خانقة على مستوى البنزين والمازوت وحتى الدواء ستعمّ لبنان.
في الواقع، لا بدّ من وقف الدعم عن المحروقات، كونه كان يستنزف ما تبقّى من اموال المودعين، وهو الذي بات يُعرف بالاحتياط الالزامي. وفي نظرة سريعة، فإنّ سياسة دعم المحروقات كان يستفيد منها اللبنانيون بنسبة لا تتجاوز 40%، فيما كانت نسبة الـ 60% تستفيد منها فئات من غير اللبنانيين موجودين على الاراضي اللبنانية، اضافة الى عمليات التهريب الى سوريا. لكن كان من المفترض ان تتشكّل حكومة بهدف تحضير اللبنانيين لقرار وقف الدعم والتخفيف قدر الإمكان من السلبيات والفوضى وربما الدماء التي سترافق هذا القرار. كان مؤلماً ومعيباً على الطبقة السياسية ان تستمر في تقاتلها حول محاصصة الحقائب، فيما حدّة الانهيار تزداد والبلد ينحدر اكثر فأكثر نحو المجهول المخيف. كانت الاولوية لدى الطبقة السياسية حسابات الانتخابات النيابية وطريقة الاستيلاء على اصوات الناس، فيما الشارع ينتقل من انهيار الى آخر.
حتى البطاقة التمويلية غرقت بدورها في حسابات الاستثمار الانتخابي وبقيت مجمّدة عند خطوة طريقة وضع اللوائح الرسمية المستفيدة. صحيح انّ الدول الخارجية ستعمد الى استثمار الانهيار الكامل في لبنان، لكن اصل المشكلة يبقى في الفساد الذي تقاسمه وتحاصصه اطراف الطبقة السياسية. وإلّا، كيف يمكن تفسير الشروع في توظيفات انتخابية قبيل الانتخابات النيابية الاخيرة، وبعد إقرار سلسلة رتب ورواتب عشوائية وغير مدروسة، وتمّ توظيفها واستثمارها انتخابياً؟ وكيف يمكن تفسير آخر موازنة تمّ اقرارها، والتي تضمنت ارقاماً هائلة فيما الخزينة كانت خاوية؟ وكيف يمكن ايضاً تفسير القرارات المتلاحقة بالاستدانة ما راكم ديوناً ثقيلة على الخزينة؟ والأهم، كيف يمكن تفسير تلك الأزمات السياسية المتلاحقة، والفراغ الذي طاول السلطة مرات عدة، والخلافات التي كانت تؤخّر الحكومات بسبب الحصص والحقائب الدسمة، ما كان يكلف لبنان استنزافاً مالياً كبيراً لتثبيت سعر صرف العملة الوطنية؟ هي الطبقة السياسية نفسها تتعاطى بخفة ولأسباب المحاصصة، في وقت غرقت السفينة في المحيط ولم يبقَ منها عائماً سوى مساحة صغيرة، حيث يتقاتل حولها اطراف الطبقة السياسية.
خطوة مصرف لبنان بوقف كل اشكال الدعم تمّ التحضير لها في الكواليس خلال الاسابيع الماضية. ووفق الحسابات الانتخابية، لم تعترض اطراف الطبقة السياسية على اعتماد هذا السيناريو لوقف سياسة الدعم. فحتى لو جاء هذا الاسلوب محفوفاً بالمخاطر ويضاعف مآسي الناس، إلّا أنّه يبعد عن اطراف هذه الطبقة السياسية الارتدادات الشعبية، وهذا هو المهم بالنسبة اليها. لكن السؤال الاهم، ماذا سيحصل بعد رفع الدعم التلقائي؟
من المنطقي الاعتقاد، أنّ العواصم الغربية المهتمة بالوضع في لبنان، رسمت سيناريوهات عدة للارتدادات التي قد تحصل. ومن البديهي الاعتقاد أنّ كلام ملك الاردن من واشنطن، يحمل في جوانبه هذه التصورات الموضوعية:
الإعتقاد الاول يشير الى انفلات حال الفوضى الى مداها الاقصى. فليس سهلاً ابداً أن يكون هنالك بلد على وجه الارض ليس فيه كهرباء. فهذا يعني ان لا مستشفيات ولا افران ولا مقومات للحياة.
والاعتقاد الثاني هو ان تتحول هذه الفوضى من الشارع الى المراكز والمواقع الرسمية، ففي حالات مشابهة ينتفض الناس في اتجاه مقرات السلطة، فكيف اذا كانت السلطة مسؤولة فعلياً وليس فقط معنوياً عن الانهيار الكبير الحاصل. مع الاشارة الى انّ القوى الامنية التي سيصبح رواتب عناصرها تقارب 5 صفائح بنزين او مازوت، ستكون غير مهتمة او مبالية في القيام بواجباتها، هذا اذا لم نفترض العكس.
ويبقى الاعتقاد الثالث الذي سيدفع هنا الى فتح الملف اللبناني على مصراعيه في الامم المتحدة والعواصم الكبرى، وانطلاقاً من اعتبار الدولة اللبنانية دولة فاشلة. وقد تكون هي اللحظة التي ستبدأ فيها المعالجات السياسية، وقد تسمح ايضاً بولادة حكومة طال انتظارها بسبب شهوات المحاصصة والمصالح الانتخابية الشخصية.
هي صورة شديدة السواد بلا شك، ولكن فلننظر من حولنا ولنرى جيداً، لبنان بالتأكيد ليس في خير، خصوصاً انّ ثمة مشاريع كبرى في المنطقة، ولبنان هو إحدى ساحاتها.