منذ أشهر طويلة، كان من الواضح أن مصرف لبنان لم يعد قادراً على الاستمرار في سياسة الدعم على السلع الأساسية، بسبب موقف حاكم المصرف رياض سلامة الرافض للمس بالإحتياطي الإلزامي من دون وجود تشريع قانوني يسمح له بذلك، إلا أن أياً من القوى السياسية لم يذهب إلى البحث في كيفية تجاوز هذه المعضلة، خصوصاً أن التداعيات ستكون كبيرة جداً على الواقعين الاقتصادي والاجتماعي.
على الرغم من ذلك، كانت غالبية تلك القوى تُصر على أن الدعم المقدم هو في الأصل لا يذهب إلى مستحقيه، وبالتالي هو باب من أبواب الهدر لما تبقى من عملات صعبة لدى المصرف المركزي، لكن أيضاً لم يكن لديها الجرأة للبحث في ما يمكن القيام به على هذا الصعيد.
يوم أمس، أعلن حاكم المصرف عن قرار وقف الدعم على المحروقات، الأمر الذي أثار موجة واسعة من الاعتراضات، سواء الشعبية أو السياسية، وكأن ليس هناك من كان يتوقع حصول ذلك، أو ربما كان الجميع يراهن على أن سلامة لن يلتزم بقرار عدم المس بالإحتياطي الإلزامي من دون تشريع قانوني يسمح له بذلك، بغض النظر عن وجهات النظر المتضاربة حول هذه المسألة.
في هذا السياق، هناك نقطة جوهرية ينبغي الإنطلاق منها لدى البحث في هذا القرار، الذي يصر الجميع على وصفه بالإجرامي، تكمن بأن حاكم مصرف لبنان هو مجرد موظف، بينما هناك سلطة سياسية من المفترض أن تتولى أخذ القرارات المصيرية، الأمر الذي يقود إلى السؤال عما فعلته هذه السلطة طوال الفترة الماضية.
من مشروع البطاقة التمويلية أو الكابيتال كونترول حيث كان الجميع يتجنب إقرارهما والتقاذف بهما، من المجلس النيابي إلى حكومة تصريف الأعمال، حيث كان مشروع قانون الكابيتال كونترول من المفترض أن يقر مباشرة بعد السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، إلى الكثير من الإجراءات التي وجب القيام بها، ولعل أبرزها تأمين التشريع القانوني الذي يريده سلامة.
بالتزامن، من الضروري السؤال عما قامت به الطبقة السياسية برمتها في الملف الأبرز، أي تشكيل الحكومة، فبعد تأليف حكومة حسان دياب مُنعت من العمل من القوى السياسية، سواء تلك المشاركة فيها أو المعارضة لها. وبعد استقالتها على اثر الانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت، قررت الدخول في لعبة المماطلة والمحاصصة، الأمر الذي قاد إلى الفشل في الإتفاق على تشكيل حكومة جديدة، بالرغم من مرور عام على ذلك.
في هذا الإطار، قد يكون من المفيد التذكير بأن قرار رفع الدعم هو من الأسباب الأساسية التي تحول دون ولادة الحكومة، نظراً إلى أن أيّ رئيس حكومة مكلف لن يقبل بأن تنفجر هذه القنبلة الموقوتة في وجهه، بينما هو قادر، في الحد الأدنى، على التخفيف من تداعياتها عند النجاح في التأليف، لأن وجود الحكومة سيقود إلى خفص سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
في المحصلة، حاكم مصرف لبنان ليس وحده المسؤول عن هذا القرار، بغض النظر عن الملاحظات الكبيرة على أدائه على مدى سنوات طويلة، بل هناك طبقة سياسية كانت شريكة له، من خلال تعاملها اللامسؤول مع الواقع الذي تمر به البلاد، بدليل إستمرارها في العرقلة من أجل زيادة حصتها الوزارية أو تحصينها، بينما تأخذ المواطنين رهائن لها من أجل تحقيق ذلك.