في ليلة غاب فيها قمر الاقنعة والتسويات والكلمات والاجتماعات، اصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قراراً قضى برفع الدعم عن المحروقات. ولم يتأخر الامر كثيراً حتى دبّت الفوضى في الشارع وتكتّلت ارتال السيارات امام المحطات، فيما اغلق العديد من محطات الوقود ابوابه لعدم تسلمه الوقود من الشركات. من الظلم القاء المسؤولية كها على عاتق سلامة وحده، فهو وان يتحمل جزءاً من المسؤولية بالطبع، الا انه ليس الوحيد ويجب مشاركته اللوم مع الآخرين. ولكن هذه المرة، من غير العادل عدم تحميله مسؤولية القرار وحده، لانه، وفق ما اكّدت مصادر مطلعة، فإنه شارك في جلسة المجلس الاعلى للدفاع التي انعقدت في اليوم نفسه للقرار الشهير، ولم يكشف عن نيته اصدار قرار رفع الدعم، بل وفق ما افادت به المصادر، فإنه شرح موقف المصرف وموجوداته، وتفهم المشاركون ان قرار رفع الدعم سيتخذ عاجلاً ام آجلاً، وبالتالي لا يمكن الهروب من هذا الواقع، ولكن تم الاتفاق بحضور سلامة، على افساح المجال لايام معدودة فقط، كي يضع الامنيون خطة تلحظ كل تداعيات رفع الدعم التدريجي، بشكل يمكّنها من تجنب اي خضات امنية او فوضى قد تحصل.
ولكن قرار سلامة الليلي، فجّر الازمة، وتلقفه البعض على انه اتخذ بهدف سياسي وهو ان يساهم في تسريع عجلة تشكيل الحكومة، ومن باب الضغط على كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي. ورداً على هذه النظرية، اشارت مصادر مواكبة لعملية التأليف ان هذا العذر اقبح من ذنب، لانه تمّ الباسه ثياب الحمل فيما هو في جوهره ذئب كاسر. فالقرار الحق الأذى اولاً بالقوى الامنيّة من جيش وباقي الاجهزة التي لم تكن في جوّه، ووجدت نفسها امام مشاكل متنقّلة في المناطق اللبنانية، كان من الممكن التعامل معها بطريقة اسهل وافضل لو تم اعتماد خطة مدروسة كما تم الاتفاق عليه في المجلس الاعلى للدفاع، بدل اتخاذ قرار في الليل ظهرت مفاعيله منذ ساعات الصباح الاولى. وتابعت المصادر انه، ومع عدم التداعيات الخطيرة التي القاها القرار بالطريقة التي صدر فيها على المواطنين بالدرجة الاولى، لا يمكن استثماره او تبريره سياسياً تحت اي ستار كان، فكم بالحري الايحاء بأنّه من اجل انقاذ البلد والضغط لتشكيل الحكومة؟. وتشرح المصادر ان هذا الكلام مجرد ذرّ للرماد في العيون، فالقصّة دوليّة بالمقام الاول، وسلامة مشارك رئيسي في التعقيدات التي اوصلت البلاد الى ما هي عليه اليوم، ولو صحّ انه قادر على القيام بمثل هذه الخطوة، فهو يدين نفسه بعدمالاقدام عليها من قبل اولاً، وبالتحكم بايقاع الشارع ثانياً. اضافة الى ذلك، تضيف المصادر نفسها، فإن ما اعلنه ميقاتي قبل ساعات قليلة على اصدار سلامة القرار الشهير، اوحى بأنّ تقدماً حقيقياً حصل في المفاوضات، ولو انّ الافراط في التفاؤل لم يبلغ ذروته، الا انّه تم الحديث للمرة الاولى على تفاهم على توزيع الحقائب على الطوائف، وان هامش الخلاف قد تقلّص نوعاً ما. ووفق الاوساط فإن سلامة راهن على انه في حال سارت الامور كما يجب، ينال الفضل في انّه كان السبب وراء الاسراع في عملية التأليف، وفي حال لم تكن الامور ايجابيّة على مسار التشكيل، يكون قد ظهر بمظهر الحريص على الضغط على كل من عون وميقاتي للخروج بتسوية كفيلة بابصار الحكومة الجديدة النور.
ولكن، مهما تعددت الروايات والشروحات، فإن القرار الذي صدر لم يكن ناجحاً لا في المضمون ولا في التوقيت، وبالتأكيد لا يمكن الباسه ثياب الحملان، وهو لن يقدم ولن يؤخر في مسالة ولادة الحكومة، ولكنه بالتأكيد ترك اثراً سلبياً جداً على المواطنين من جهّة، وعلى الوضع الامني بشكل عام، في وقت كان يمكن تفاديه لو اتخذ بطريقة تدريجيّة وبالتنسيق مع المسؤولين الامنيين المعنيين كما تم التوافق عليه سابقاً.