على وقع "هبّة باردة، هبّة ساخنة"، تأرجحت المواقف في اليومين الماضيين في مسألة الحكومة بين التفاؤل والتشاؤم. فمع التقدم بخطوة الى الامام، كانت الامور تعود الى الخلف بشكل فجائي، فتضيع كل الايجابيات والكلام المعسول، ليخيّم جو من السلبية ويلقي بظلاله على الوضع العام وينعكس مزيداً من المآسي على الارض، وبالتالي تصاعد التوتر الميداني والخطاب السياسي. ازاء كل ذلك، هبّت في الساعات الاخيرة رياح ايجابية نقلت سفينة الحكومة من ضفّة الى اخرى، وسنستعرض بشكل سريع ابرز عوامل هذه الرياح:
1-اجواء دولية ضاغطة لم ترقَ الى مستوى الحسم، لكنها كانت كفيلة بتليين المواقف واعادة النظر ببعضها وفق سياسة "الترغيب والترهيب" المتّبعة، والتي غالباً ما كانت تؤتي ثمارها فيالسابق، واثبتت انها لا تزال قابلة للاستعمال اليوم ايضاً. ويمكن في هذا الاطار وضع تحرك السفيرة الاميركية دوروثي شيا التي ضغطت بشكل غير مباشر، وليس كما قيل من كلام مباشر في الشأن الحكومي.
2-غياب رئيس مجلس النواب نبيه بري عن الساحة الاعلاميّة، ولو ان "ملائكته" حضروا ليؤجّجوا الصراع مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ولكن الامور بقيت ضمن حدود السقف المقبول ولم ترقَ الى نقظة اللاعودة. وهذا بحدّ ذاته دليل على انّ هامش المناورات الداخليّة لكل الاطراف لم يعد كما كان عليه سابقاً، بل ضاق الى حدوده الدنيا.
3-حملة النائب سعد الحريري على رئيس الجمهورية بعد الانفجار في عكّار، ورفض رئيس الحكومة المستقيل حسّان دياب دعوة عون الى اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء، ساهمتا بشكل مهم في تحذير الرئيس من أنّ أي فشل لرئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، سيعني تحميله المسؤوليّة وستكون الامور بداية شرارة مماثلة لحملة "فلّ" التي واجهها الرئيس السابق العماد اميل لحود، وأدّت الى عزله داخلياً وخارجياً، وانه في أسوأ الاحوال واذا لم يكن من المستطاع حمل عون على الاستقالة او تقصير الولاية، فسيمضي ما تبقى منها يواجه الحملات اليوميّة من دون أيّ دعم. ولا شك ان هذا الامر سينعكس سلباً وبشكل كبير على وضع عون والنائب جبران باسيل و"التيار الوطني الحر" في الانتخابات النيابية المقبلة.
4- تبيّن انه، وعلى عكس كل ما قيل سابقاً، الجميع يرغب في اقتطاع حصته من الحكومة، وهذا الامر بان بشكل واضح من خلال الكلام عن توزيع الحقائب على الطوائف والاسماء (التي يضعها مسؤولو الاحزاب بطبيعة الحال). وبينما كان الحديث عن مشكلة تنحصر في عقدتي الداخليّة والعدل، تمّ حلّ هذه المشكلة (ولو انه لم يكن بعد تم الاتفاق على الاسماء بشكل نهائي)، وبرزت عقد اخرى في وزارات عدة منها اساسي ومنها غير اساسي.
5-على عكس ما كان يحصل حين تم تكليف الحريري تشكيل الحكومة، غاب الحديث منذ تسلّم ميقاتي المهمة، عن موضوع الثلث الضامن، وبدا وكأنه لم يعد العقدة التي تتحكم بمصير الحكومة.
6-بات لزاما ًعلى عون وباسيل التعاون مع ميقاتي لتذليل العقبات، وذلك لكون ميقاتي من صلب "نادي رؤساء الحكومات السابقين"، وهو النادي نفسه الذي لطالما وقف في وجه عون وباسيل، ونجاح ميقاتي في التشكيل سيعني حكماً سقوط أيّ ذريعة لاعضاء النادي في اتهامهما بعرقلة الحل في البلاد، ناهيك عن ان الدول الخارجية اعطت دليلاً واضحاً وملموساً انها تؤيد بالفعل والقول دخول رئيس الحكومة المكلف الى السراي.
7-لا يمكن اغفال دور حزب الله والكلام الصادر عن امينه العام منذ ايام قليلة، والذي شدد فيه على وجوب ان تبصر الحكومة النور قريباً، وهو ما يحمل التلميح الكافي على انه دخل هذه المرة بشكل اكثر فاعلية على خط الاتصالات، للمساهمة في ايصال الحكومة الى شاطئ الامان، وهو ما يعني ايضاً ان الحزب حصل على ضمانات طمأنته الى وضعه في الفترة المقبلة.
اما بعد، فمن اللافت ان ميقاتي يتسلح بعبارة وحيدة لها دلالاتها وهي: العبرة في الخواتيم"، ما يؤشّر الى انّه حتى ميقاتي نفسه لا يملك معطيات حاسمة ومؤكدة ان طريقه الى السراي معبّدة وجاهزة، وهو يعني ايضاً ان الضغط الدولي لم يصل الى حدّ الحسم، بل الى مرحلة التشجيع والدعم والضغط المحدد، فهل يكون هذا الامر كافياً ام انه لا بد من اتخاذ قرار الحسم الدولي، وما يعنيه من اطالة للازمة والتحضير لشدّ جديد للحبل المطاطي للبنانيين؟!.