بين لبنان وسوريا خمسة معابر شرعيّة(1)، ونحو مئة وخمسين غير شرعيّة، علمًا أنّ الكثير من هذه المعابر الخارجة عن القانون، وعرة وضيّقة وغير عملانيّة، بعكس معابر غير شرعيّة أخرى تُستخدم بفعاليّة لتهريب كل ما يُمكن أن يخطر في البال! فإلى متى ستستمرّ هذه الظاهرة الشاذة المُدمّرة للإقتصاد اللبناني، علمًا أنّ الجميع يُطالب بمُكافحتها؟.
من الضروري بداية الإشارة إلى أنّ عشرات آلاف السُكّان الذين يقطنون في مناطق حُدوديّة، يستفيدون مُباشرة أو بشكل غير مُباشر من فوضى المعابر غير الشرعيّة، وبعض الإحصاءات تُقدّر عائدات تجارة التهريب المُربحة بما بين 4 إلى 5 مليارات دولار سنويًا، يعتاش منها نحو أربعمئة ألف لبناني يسكنون في مناطق حُدوديّة! وبغضّ النظر عن دقّة هذا الرقم الذي قد يكون مُبالغًا فيه، الأكيد أنّ المُستفيدين كُثر، وهذا الأمر لا يُساعد في ضبط عمليّات التهريب، خاصة وأنّ عصابات مُسلّحة مُنظّمة هي التي تتولّى قيادة وتنظيم وتنسيق كل أشكال التهريب. يُذكر أنّ مُعارضي "حزب الله" الذي طالب أمينه العام السيّد حسن نصر الله في خطابه الأخير بأن تقوم الدولة بفرض منع التهريب، يتّهمون "الحزب" بالإشراف على عمليّات التهريب في بعض المعابر، بهدف تأمين حركته اللوجستيّة بين لبنان وسوريا من جهة، ولصالح دعم النظام السُوري من جهة أخرى. وفي كلّ الأحوال، إنّ عمليّات التهريب عبر المعابر غير الشرعيّة ليست محصورة في منطقة مُعيّنة، ولا بمناطق تواجد "الحزب"، حيث أنّها تمتد من أقصى الشمال مُرورًا بكامل منطقة البقاع(2)، علمًا أنّ العديد من المعابر في منطقة الهرمل في البقاع الشمالي، وفي عرسال، وفي وادي خالد، إلخ. هي تحت السيطرة العشائريّة.
وإضافة إلى تهريب الدولارات والمازوت والبنزين والمُخدرات والسجائر والتنباك وبعض المواد الغذائيّة والأدوية والسلع، وُصولاً إلى الأجهزة الإلكترونيّة والسيّارات المسروقة، تعمل عصابات التهريب على تأمين إنتقال الأشخاص الذين يريدون العُبور برًّا، من دون المُرور بالمعابر الحُدوديّة الشرعيّة! يُذكر أنّ مئات السُوريّين يستخدمون المعابر غير الشرعيّة للإنتقال بين البلدين، لأنّهم لا يريدون أن يُحرَمُوا من المُساعدات الماليّة الشهريّة التي يتقاضونها من هيئات الأمم المُتحدة المُختصّة، والتي تسقط في حال ثبتت قدرتهم على الذهاب إلى سوريا بشكل طبيعي. والبعض الآخر، يخشى إلقاء القبض عليه من أجهزة الأمن السُوريّة، أو فقط لأنه لا يريد تجديد إقامته في لبنان، أو لا يريد دفع بدل فحص "بي سي آر"، إلخ.
إشارة إلى أنّ طول الحدود البريّة بين لبنان وسوريا يبلغ نحو 375 كيلومترًا، وجزء صغير منها بطول نحو 36 كيلومترًا خالٍ من التهريب، بفضل إجراءات أمنيّة إتخذت خلال مرحلة وُجود المجموعات المُسلّحة الإرهابيّة على الحدود بين لبنان وسوريا، وهي إستمرّت بعد ذلك حيث يقيم الجيش اللبناني وبخاصة فوج الحُدود البرّي، مراكز أمنيّة، مُعزّزة بسلسلة من أبراج المُراقبة والكاميرات الحراريّة، إلخ. وبالتالي، السؤال الذي يفرض نفسه، هو: لماذا السلسلة الشرقيّة هي تحت مُراقبة أمنيّة مُشدّدة دون سواها، علمًا أنّ عمليّات التهريب على طول هذه السلسلة، وتحديدًا من أطراف عرسال حتى المصنع، شبه مَعدومة، ما يعني إمكان ضبط الحُدود كلّها، في حال وُجود القرار السياسي؟! والسبب أن لا غطاء سياسي جدّي للقوى الأمنيّة لفرض وقف التهريب على طول الحُدود، لأنّ هكذا قرار يعني عمليًا قطع أرزاق مئات آلاف المُستفيدين، الأمر الذي سيدخل الجيش في مُواجهات أمنيّة مُتنقّلة مع عصابات التهريب المُسلّحة، وسيُعرّضه لعمليّات إنتقاميّة، ما لم يتم تأمين البدائل المُناسبة لمن إعتاد التهريب!.
يُذكر أيضًا أنّ العديد من الجهات الخارجيّة تشترط مُعالجة ملفّي الكهرباء والتهريب عبر الحدود البريّة، لتقديم أيّ مُساعدات ماليّة في المُستقبل، علمًا أنّ مُحاولات نشر قُوّات دَوليّة على الحدود مع سوريا فشلت في السابق، بسبب إعتراض "محور المُقاومة" على ذلك، باعتبار أنّ لبنان وسوريا بلدان شقيقان وليسا عدويّن لنشر قوّات القبعات الزرق بينهما. وفي السياق عينه، لا تزال قضيّة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا عالقة، على الرغم من صُدور قرار دَولي بذلك تحت الرقم 1680.
في الخُلاصة، وبمعزل عن الضُغوط الخارجيّة لضبط الحُدود، تُوجد مصلحة لبنانيّة كبيرة جدًا لوقف كل أنواع التهريب، لأن لا مصلحة بإعالة بعض العائلات الحُدوديّة عبر أنشطة غير شرعيّة، على حساب مصلحة كل اللبنانيّين! وطالما كلّ الأطراف تدّعي أنّها مع قيام الجيش بفرض القانون على طول الحُدود، المَطلوب وبشكل سريع، رفع عديد الوحدات العسكريّة المُخصّصة للحُدود، بالتزامن مع طلب المعدّات والتجهيزات اللازمة لها من الدول الغربيّة، على أمل التخلّص من ظاهرة لعبت دورًا كبيرًا في هدر عشرات مليارات الدولار، وفي حرمان الشعب اللبناني من كميّات كبيرة من المحروقات والمواد والسلع التي جرى تهريبها.
(1) المصنع، الدبوسية، جوسية، تلكلخ، والعريضة.
(2) من بين معابر التهريب على سبيل المثال لا الحصر: عرسال–فليطة، ونحلة-بعلبك في البقاع الشمالي، والصويري–بركة الرصاص في البقاع الغربي، وجرماش–بيت الجمهل في الهرمل، والبقيعة، ومراح السويسة في جرود الهرمل، وحنيدر، وهيت، والحج عيسى، والبويت، والكنسية، والمراني، وحوش السيّد علي، والقصر، وحرف السماقة، ومراج الشعب، والمشرفة، والطفيل، إلخ.