يصارع شهر العسل القائم بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي للبقاء على قيد الحياة، وهو أخذ مداه بنحو 12 لقاء بينهما لتشكيل الحكومة. وخلال هذه الفترة، كان الكلام المعسول بينهما حاضراً بقوة، ولم يتكلما، بطريقة مباشرة او غير مباشرة (مصادر وغيرها) بالسوء عن الآخر، ما ابقى منسوب التفاؤل قائماً حتى في ظلّ الغيوم السوداء التي كانت تلوح في الافق بين الحين والآخر.
ولكن بين الفينة والاخرى، كانت الاجواء تتلبّد وآخرها ما حصل بالامس، حيث ضجّت وسائل الاعلام، وبشكل غير مألوف، بأخبار المصادر التي نشطت بصورة مجنونة، وبدأت صراعها على الساحة الاعلاميّة بشراسة، فحمّلت (وفق قربها من مركزها) الآخر مسؤولية الفشل غير المعلن بشكل رسمي، وحضّرت الارضية لترقب قرب اعلان ميقاتي اعتذاره عن التشكيل والدخول في دوامة جديدة من متاهة الحكومة الضائعة التي ستبلغ بعد وقت قصير، عامها الاول.
ولكن، مرة جديدة بدا وكأنّ المظلّة الدولية لعبت دورها، وباتت كالمولّد الاحتياطي UPS، فتتدخل لضخ كميات كبيرة من الايجابيّة وتعيد الامور الى ما كانت عليه، وهذا ما ظهر بوضوح عبر بياني رئاسة الجمهورية والمكتب الاعلامي لميقاتي، حيث عاد الغزل بين المسؤولين الاثنين بشكل رسمي، وسرعان ما حصل لقاء غير مبرمج بينهما في قصر بعبدا. وبدا واضحاً انّ الضغط الدولي الذي لم يرقَ بعد الى مرحلة الحسم، تراجع، ولكنه بقي نابض القلب، ما يؤكد مرة جديدة ان المشكلة في لبنان ليست داخلية كما اوحى كثيرون، بل دولية انما بـ"العدة اللبنانية".
عامل آخر كان له اثره على ارخاء اجواء تفاؤلية، وهو كلام الامين العام لحزب الله حسن نصر الله، وخصوصاً موقفه من الباخرة المحمّلة بالنفط المتجهة من ايران الى لبنان، والكلام عن تدخّل خارجي يعيق تشكيل الحكومة، علماً انه كان قال سابقاً ان المشكلة الحكوميّة داخليّة ولا عناصر خارجيّة تعمل لافشال نجاحها. واللافت اكثر في هذا المجال، الكلام الصادر عن السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا، التي وإن ردّت على نصر الله، التزمت الابتعاد عن التهديد والوعيد، وقامت بردّ سياسي ودبلوماسي مزلزل، لا بل اكثر عملياً عبر الاعلان عن محاولات استجرار الطاقة الى لبنان عبر دول عربيّة، ومنها سوريا حيث المحت الى امكان استثناء هذا التدبير من "قانون قيصر" للعقوبات.
ومن المستغرب ايضاً تصعيد النائب سعد الحريري سقف كلامه، وهو الذي تفادى على مدى اكثر من تسعة اشهر ونيّف، الاشتباك المباشر مع حزب الله، فيما اصبح اليوم اكثر سهولة في اتهامه بوضع البلد في يد ايران، وتشديده على عدم القبول بذلك، بعد ان كان يصوّب كل ما تبقى من ترسانته المسلّحة في اتجاه قصر بعبدا وساكنه وصهره، في قراءة اعتبرها الكثيرون انها رسالة الى ميقاتي من "نادي رؤساء الحكومات السابقين"، ولكن سرعان ما انقشع الضباب ليظهر انها احدى الاسلحة المعتمدة في الانتخابات النيابية التي يتم التحضير لها.
تشاؤم وتفاؤل، وعلاقة تتأرجح بين "الغرام والانتقام" بين عون وميقاتي، مع العلم انهما حالياً يبدوان الاكثر انسجاماً، لانّ بديل ميقاتي (في حال اعتذاره) لن يكون على هذا القدر من التواصل والتعاون مع عون، وهذا يعني انّ الزواج القسري بينهما لم يُحكم بعد بالطلاق، وان الصراع للحفاظ عليه يحمل مصلحة دولية ومحلية اكبر، حتى الآن، من انهائه.