سألني صديق: «ما رأيك في موضوع استيراد المشتقات النفطية من إيران؟» فأجبته بصراحة: «بَدنا السترة في هذه المرحلة. إنّ أيّ سلعة تأتي بسعر رخيص من أيّ بلد علينا أن نقبلها بلا تردد، لأننا في مرحلة لا مكان فيها للخلفيات السياسية. اذا أعطى شخص لإنسان جائع رغيفاً من الخبز، هل يسأله الجائع عن خلفياته السياسية قبل أن يقبل الرغيف ويشكره داعياً له بطول العمر؟».
ad
سألني الصديق مجدداً: «ماذا عن سلاح «حزب الله»؟ فأجبت: بعد توقيع اتفاقية القاهرة المشؤومة في 1969، والتي أعطت الشرعية لوجود المقاومة الفلسطينية وعملها من لبنان فقط، وهذا خطأ تاريخي أدخلَ لبنان في زوبعة النزاعات الاقليمية. هذا الاتفاق الذي وافق عليه جميع الأفرقاء الّا قلة قليلة، منهم العميد المرحوم ريمون إده، كان لها شرف الاعتراض عليه، ولم نسمَع لها في حينها.
هذا الاتفاق أعطى ذريعة لإسرائيل في دخول الجنوب تحت حجّة طرد الفلسطينيين. دخلَ الاسرائيلي وبقي 18 عاماً من دون ان يطرد الفلسطينيين، قام بطرد مجموعات صغيرة وبقي الفلسطينيون في مخيمات وبقي الاسرائيلي مُحتلاً. والسؤال: لماذا لم يطرد الجيش الاسرائيلي جميع الفلسطينيين ويفكّك المخيمات؟ ألم يكن المخطط المُضمَر تفريغ الجنوب من سكانه؟ وهذا ما حدث جزئيّاً وأدى الى نمو الضاحية الجنوبية لبيروت.
ماذا فعلنا خلال هذه الفترة؟ وماذا فعلت الدول القوية الصديقة؟ لقد ترك الجنوبيون لمصيرهم من دون اي تدخل او تحرّك. دعونا لا نضحك على أنفسنا، لم يحرّك أحد ساكناً، فدفعَ اليأس أصحاب الارض الى مقاومة شرسة استمرت طويلاً، وتم تقديم تضحيات جسيمة أدّت الى تحرير الجنوب في العام 2000.
ad
هذا إنجاز كبير جداً لـ«حزب الله» لا يمكن تجاهله او إنكاره، كما لا يمكن إنكار الدور الذي أدّاه في محاربة «داعش» والمتطرفين وصَدّهم بعد محاولتهم دخول الاراضي اللبنانية.
علّمنا التاريخ انّ أملنا الوحيد، ونحن بلد صغير، لردع الهجومات مهما كانت هي حرب العصابات، ولقد أثبتت نجاحها في مواجهة القوى العظمى وآخرها في أفغانستان. ولتحقيق أكبر نسبة من القدرة الدفاعية على جميع اللبنانيين ان يمتلكوا قدرة حرب العصابات، تقريباً مثل تجربة سويسرا بما يُعرف بـ Switzerland’s militia system. وفي هذا السياق لا أقلّل من قيمة الجيش اللبناني، ولكن لبنان لا يملك قدرة مواجهة اعتداءات خارجية عن طريق قتال نظامي لأنّ كل موازنة الدولة لن تكفي لتسليح جيشه وجعله قادراً على خَلق معادلة رَدع. الجيش يستطيع ان يؤدي دوراً اساسياً في الحفاظ على السلم الداخلي والامن في الداخل. وطبعاً، أسمَع الانتقادات مسبقاً: «تريد تسليح جميع الفئات للوصول الى حرب أهلية يا فادي؟». وأجيب: «اذا ما فينا كلّنا نحمل سلاح من دون ما نقتل بعض، ما فينا نعيش سوا».
نحتاج الى قدرة دفاعية جامعة من شمال الى لبنان الى جنوبه، وأشدّد على كلمة دفاعية لأنّ لبنان لا يجوز ان يكون له موقف هجومي ضد أحد او يعتدي على أحد. دفاع فقط دفاع. وأي قضايا نزاع عالقة، مثل قضية مزارع شبعا او غيرها، نطلب حلها في الأمم المتحدة فقط وليس عن طريق الحرب.
ad
ذكرنا إيجابيات المقاومة ولكن مع الأسف هناك سلبيات: أولاً، برأيي علينا ان نُخرِج لبنان من النزاعات الاقليمية والعالمية، لأنّ ذلك لا يفيد أحد بل يؤذينا. بِالمْشَبرَح: «ما فينا نحلّ ولا مشكل خارج حدودنا»، إن كانت المشكلة الفلسطينية أو غيرها.
إنتقاداتنا لدول أخرى قريبة او بعيدة نتائجها فقط سلبية لشعبنا، لن تفيد أحد بل تؤذي لبنانيّي الخارج والداخل. لذا، نرجو من الجميع، المقاومة وغيرها، ان لا يَنتقدوا أحد حتى ولو ظَنّوا انّ هذا الانتقاد مُحِق. وأكرّر، العالم فيه كثير من الظلم من عدة جهات، لن نحلّها نحن بقدرتنا، ما دمنا لا نستطيع حل مشكلاتنا الخاصة، اشفقوا علينا ووَفّروا علينا غضب الآخرين.
أمّا اذا أردنا الانتقاد فلنبدأ بأنفسنا، لِننتقِد مشكلاتنا الداخلية وهي كثيرة، ومهما انتقدنا سيبقى لنا كثير. عندنا مَخزون لا ينفد من الأمور التي تستحق الانتقاد.