في خضم حلبات الصراع التي يخوضها المواطن اللبناني كل يوم على الجبهات كافة: المالية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، قرّر وزير التربية المستقيل طارق المجذوب ان يفتح حلبة صراع جديدة، دعا اليها كل الاهالي والطلاب. وارتأى الوزير المستقيل ان يبدأ العام الدراسي المقبل، حضورياً، ابتداء من شهر ايلول المقبل بالنسبة الى المدارس الرسميّة، وبين ايلول وتشرين الاول بالنسبة الى المارس الخاصة.
يُقال ان من يكون في موقع المسؤولية، يملك معطيات واجواء لا يملكها الكثير من الناس غيره، وعليه، سأل العديد من أهالي الطلاب عن "الحلّ السحري" الذي يتكتّم عنه وزير التربية المستقيل، الذي دفعه الى اتخاذ هذا القرار الذي صدم وفاجأ المعنيين مباشرة به، اي الاساتذة والطلاب واهلهم. واستبشر الاهالي خيراً بهذا القرار، لانهم اعتبروا انه بداية نهاية الازمات كلها، وبشكل سريع، ما يعني أنّ الحلول باتت على الابواب وفق المعطيات التي يملكها الوزير المجذوب.
وبالنسبة اليهم، فإنّ من هذه المعطيات:
-إيجاد حلّ لارتفاع سعر صرف الدولار، بحيث يصبح من السهل تسديد الاقساط المدرسيّة الى المدارس، وتنتهي مشكلة "التقنين" في سحب الودائع من المصارف.
-السيطرة على وباء كورونا ومتحوّلاته وبشكل خاص "دلتا"، أي اننا لن نسمع بعد اليوم تحذيرات من وزارة الصحة او القطاع الصحي بشكل عام، يحذّرنا من تنامي أعداد الاصابات والوفيات، ولن يكون هناك من داع للتفكير باغلاق البلد بسبب سرعة انتشار متحول "دلتا"، أو أن نسبة 80% من اللبنانيين وبالاخص التلاميذ والاساتذة قد تلقوا جرعتين من اللقاح، وباتت مناعتهم عالية جداً.
-إنحسار ازمة المحروقات وتوافر هذه المادّة للجميع من دون عناء الانتظار في الطوابير التي لا نهاية لها، واضافة الى ذلك، توافر الاموال الكافية لتعبئة السيارات بالبنزين (على السعر الجديد، وبعد رفع الدعم جزئياً وكلياً في مرحلة لاحقة) او لدفع ايجار بدل الانتقال بالآليات التابعة للمدارس لنقل التلاميذ.
-إمتلاك الاموال اللازمة لشراء الكتب المدرسية (جديدة و/أو مستعملة)، مع العلم أنّ الكلفة باتت عالية جداً لشراء أيّ كتاب، وقد عمد الكثير من الطلاب الى اللجوء الى آلات التصوير لنسخ الكتب من بعض، بهدف التوفير. كما كان التوقع، بناء على معطيات اتخاذ القرار، ان الدفاتر والقرطاسيّة باتت بأسعار مخفضة ومقبولة جداً، وبمتناول الجميع.
-تجهيز كافة القاعات المدرسيّة بالتّيار الكهربائي المهمّإنْ من حيث الاضاءة، او من حيث المتابعة في الصفوف (اللوح التفاعلي، المختبرات، نشاطات مدرسية...).
-تم تذليل كل العقبات والمشاكل بالنسبة الى الاساتذة ايضاً، ولن نقرأ او نسمع تزايد الاضرابات والتهديد بها لتلبية مطالبهم، وتنفيذ كامل المنهاج التعليمي من دون حذف او تقليل مواد منه.
من الطبيعي ان يؤيّد الجميع التعليم الحضوري، وتفضيله عن التعليم عن بعد الذي دونه ايضاً عقبات، ولكن كما تبجّح الوزير نفسه بأنه كان السبّاق في اتخاذ التدابير الفاعلة للحدّ من انتشار وباء كورونا في المدارس والجامعات، فلا بدّ ان ينظر ايضاً الى الواقع الحالي الذي أبقى الوضع الصحي على ما هو عليه، لا بل زادت تعقيداته وكوارثه باعتراف الجسم الطبّي بأكمله. ولا يمكن إغفال المآسي على الصعد الأخرى التي تتزايد، وتفرض بقاء الوضع التربوي على ما هو عليه، حتى ظهور الأمل في بداية انفراج سياسي واقتصادي ومالي وصحي ومعيشي. صحيح أنّ الاسباب المذكورة آنفاً تعيق التعلّم بشكل عام، ولكن نسبة اعاقتها المسار التعليمي تبقى أقل بكثير عن بعد، من اعتماد الحضور الالزامي الفعلي الى المدارس، وما نفع اعادة الحياة الى المدارس والجامعات فيما البلد بأكمله يعاني من غيبوبة؟!.