قبل أزمة المحروقات كانت كل القطاعات ومعها القطاع الخاص تتلقى الضربات الواحدة تلو الأخرى، وكل همها الصمود والاستمرار في مواجهة التحديات؛ والقطاع الخاص اللبناني المبتكر والمبدع الذي كان دائما سباقا في وضع خطط بديلة والسير بها بانتظار الحلول، حلت عليه هذه الأزمة مؤخّرًا، انقطاع مادتي البنزين والمازوت" كنكبة لتجهز عليه فاستنفد كل الخطط، الخطة "ب" و"س" ووصل الى الخطة "زد"، وبات يفضل الاقفال الى حدّ الاعتزال. لماذا؟ لأننا وبلغة الأرقام لم نعد نتحدث هنا عن تراجعات في المبيعات ودورة الإنتاج، بل بشلل تام واغتيال للإقتصاد الذي بات يعمل بأقلّ من ثلث الناتج المحلي الذي كنا نحققه في السابق، اذ كان ناتجنا المحلي حتى سنة 2018 ما يعادل 55 مليار دولار، لكن بعد الازمة المالية والنقدية والتي تبعتها أزمة وباء كورونا التي ضربت العالم، انحدر الناتج في لبنان الى 25 مليار دولار، واليوم بعد "ضربة" الفيول كإنتاج عام لا يمكن ان نصل ابدا الى هذه الارقام السابقة لأن الاقتصاد يدور بنصف كي لا نقل بربع ما كان في خضمّ الازمة، لذا يتوقع رئيس تجمع رجال وسيدات الاعمال اللبنانيين في العالم د. فؤاد زمكحل في حديث خاص لـ"النشرة" أن نصل الى ناتج محلي لا يتعدى 15 مليار دولار، أي أقل من ثلث الناتج المحلي الذي كنا نحققه في السابق، والذي على أيّ حال لم يكن ينتج وظائف او يخلق نموا. وهذا اول انعكاس للأزمة حسب د. زمكحل، وهو يعني تصغير حجم الاقتصاد في قطاعات الزراعة، الصناعة، الصحة والتجارة وغيرها؛ موضحا ان النقص بالبنزين يقلّل الحركة التجاريّة والتبادليّة وحركة الموظفين، لكن لحسن الحظ كان لدينا حل عبر امكانية التواصل عبر الانترنت، لكن أنقطاع المازوت ضرب هذه الوسيلة ايضا. ففقدنا التواصل الداخلي والخارجي، مما يعني عدم امكانية وجود إقتصاد دون تواصل حي أو أونلاين أو عبر التواصل العام، اذن لا نتحدث هنا عن انحدار بل الهبوط النهائي لكل الاقتصاد اللبناني.
وخلص زمكحل الى انه اذا استمر هذا الوضع الشاذ لوقت طويل ستكون من اكبر الكوارث، متمنيا ألاّ تطول هذه الازمة لأنه سيكون من الصعوبة بمكان إعادة البناء.
بالنسبة للقطاع الصناعي رأى زمكحل ان المصانع التي استطاعت تأمين المازوت تعمل من 3 الى 4 ساعات يوميا، علما ان هذه المعامل كانت طاقتها 24/24 فأصبحت 20% منها، وفيما يتعلق بالحركة التجارية شهدنا كيف تأثرت بنقص التنقل، وصارت المحال تعمل نصف دوام، والناس لم تعد تتحرّك بسبب انقطاع البنزين، مما أدى الى شبه شلل في الحركة التجارية، وحتى لا تواصل "أونلاين" وهذا الامر يشكل خطورة على فتح المدارس والجامعات بعد اسابيع، إذن لم يعد الوضع يُسمّى تراجعا بل إنهيارًا تاما، واغتيال للإقتصاد اللبناني وكل القطاعات الانتاجية.
من جهتها رئيسة المجلس اللبناني للسيدات القياديات مديحة رسلان شرحت لـ"النشرة" التحدّيات التي واجهها القطاع الخاص منذ عام وحتّى اليوم بدءا بأزمة "الكاش فلو" حين احتجزت البنوك الاموال، جاءت بعدها فترات الحجر الطويلة بسبب جائحة كورونا، ثم انفجار مرفأ بيروت المدمر للمؤسّسات (4 آب 2019)، الى ان دخلت دوّامة شح المحروقات، لكنها لم تكن بهذا السوء في البداية حين اشتد التقنين في البيوت، فبات الناس يرتادون المولات والمطاعم، مما أعاد بعض الحركة، لكن مع انقطاع المازوت اضطر الجميع الى تخفيض ساعات العمل بثلاثة ارباع قدرته، بعدها بالنصف ولاحقا بات علينا انهاء كل الاعمال عبر الانترنت خلال ساعتي كهرباء فقط، وبتنا نشتري الفيول بأسعار أعلى، الى أن وصلنا اليوم الى الشلل التام فأصبحنا نسأل عن جدوى فتح المتاجر، ماذا نبيع وبأية أكلاف؟ واذا بعنا كيف نعيد المخزون والمعامل لا تسلّمنا لأنه لا يوجد مازوت للتصنيع؟ وكيف ندفع للسائقين والبنزين مفقود؟ انه شلل تام. وخلصت رسلان الى اننا استنفدنا كل الخطط البديلة ونفضل الاقفال التام وانتظار الحل الشامل لأنه لم يعد هناك مجال "للترقيع"، وحمّلت الجميع مسؤولية تدمير البلد فالجميع "فاتح على حسابه" بدءًا بالمحتكرين والمهربين والجشعين ورأت ان التغيير يجب أن يأتي من الداخل ولا ثقة لنا الا بالجيش اللبناني".