يتمتع اللبنانيون حالياً ولمدة شهر بسعر وهمي للمحروقات، فرفع الدعم آتٍ لا محالة وسعر المنصّة سيصبح هو المعتمد، ولكن رغم كل ذلك لا يزال توافر المحروقات وتحديداً المازوت، هو النقطة الأساسية التي تدور حولها كل النقاط الاخرى، فهو عصب الحياة في لبنان.
تبيّن خلال هذه الأزمة أن المازوت يسيّر حياة كل اللبنانيين، لذلك بات مادة كالذهب، مطلوبة ونادرة وغالية، والشركات المستوردة تعلم ذلك جيداً، تماماً كما يعلمه المخزّنون المحتكرون، فهل تتوفر المادّة اليوم بعد اعتماد التسعيرة الجديدة؟.
تكشف مصادر متابعة أن أزمة المادة المذكورة ستستمر رغم التسعيرة الجديدة، والسبب هو أن المشكلة لم تكن أصلاً بالتسعيرة، بل باستنسابيّة التوزيع المعتمد من قبل الشركات المستوردة للنفط، مشيرة الى أنها كانت منذ أيام تمتلك في خزاناتها ما يزيد عن 50 مليون ليتر من المازوت، ورغم ذلك لم تكن المادّة متوافرة بالسوق.
اعتمدت معظم القطاعات في الأيّام الماضية على حصّتها من البضائع المضبوطة عبر الأجهزة الأمنيّة والجيش اللبناني، فتمكّنت من الصمود لأيام، ولكن هذا الأسبوع خفّت الكميات المصادرة وعادت الصرخة من جديد، في المستشفيات والأفران وقطاع المولدات، بظل انعدام المخزون في منشآت النفط في طرابلس والزهراني، إذ تكشف المصادر أنّه انعدم نهاية الأسبوع الماضي، والباخرة الجديدة الموعودة لن تأتي قبل نهار الجمعة لتفرغ نصف حمولتها في الزهراني والنصف الآخر في طرابلس، على أن تغّطي هذه الكمّيات بعض الحاجات الأساسية، لأنّ المنشآت غير قادرة على تلبية سوى 15 بالمئة من حاجة السوق المحليّة.
تعتبر المصادر أنّ الكارثة في ملفّ المازوت هي بالاعتماد المطلق على المنشآت التابعة للدولة، مع العلم أن 70 بالمئة من حاجة السوق يجب تغطيتها من خزّانات الشركات، ولكنّ الاخيرة لا تغطّيها سوى بما يتناسب مع سياستها من جهّة، وأرباحها من جهّة أخرى، فهناك مناطق كاملة كالجنوب والشمال والبقاع تُحرم من المادة، او تصل إليها بالقطارة، فكهرباء زحلة على سبيل المثال تحصل على المازوت من منشآت الزهراني، والأخيرة غير قادرة على تلبية حاجات هذه المؤسسة بأيّ شكل من الأشكال، كاشفة أن الشركات تحول المادة الى "هدايا" تُباع بحسب المصلحة، وهذا ما جعل المصائب تنتقل من قطاع إلى آخر، ووصلت مؤخّراً الى قطاع المياه.
أمس، "أبلغت مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان المشتركين أنها مضطرة لتنفيذ برنامج تقنين قاسٍ في غالبية المناطق ضمن نطاق صلاحيتها بسبب عدم تسلّم المازوت من المنشآت وشركات النفط لتأمين تشغيل المضخات والمولّدات، وذلك منذ الأسبوع الماضي في وقت أن المؤسسة تحتاج إلى تجديد مخزونها في شكل يومي"، وبالتالي ستصل المياه، وبحسب المصادر يومين على الأكثر خلال الأسبوع الى مناطق الشوف وعاليه وسواحل جبيل وكسروان والمتن.
وتؤكّد المصادر أن أزمة المياه تسري على كل مؤسسات المياه في لبنان، وهذه الأزمة لن تنتهي سريعاً، وكما غابت الكهرباء عن بيوت اللبنانيين ستغيب المياه، وكما في الكهرباء حلّقت أسعار اشتراكات المولّدات مع التقنين، كذلك في المياه ستحلّق أسعار "نقلات" المياه، التي لن تكون متوفّرة أيضاً، فسعر الـ"5 براميل" ارتفع من 15 ألف ليرة الى 100 ألف ليرة، وهذه الكمية تكفي حاجة عائلة صغيرة لمدة يوم تقريباً.
هناك من يُمعن بممارسة الضغوط على اللبنانيين، والدولة غائبة، فإذا كان هناك قائمة بأماكن يجب دهمها، فخزّانات الشركات المستوردة للنفط يجب أن تكون على رأس هذه القائمة.