تبرز منذ فترة، مشكلة جديدة تضاف الى مشاكل المواطنين اليومية، وهي قضية بيانات القيد الفردية والعائلية التي اخذت حيزاً كبيراً من النقاش في الآونة الاخيرة، وكثر الحديث عن عدم القدرة على الاستمرار في طبعها من قبل الشركات التي كانت تلتزمها عادة، ونقص الكميات المطلوبة لتلبية حاجات المواطنين، ما ادّى الى دخولها السوق السوداء وتفاوت ارقام المبالغ للحصول عليها. من 250 الف الى 500 الف ليرة، وصولاً الى المليون، كلها ارقام تم نشرها عن كلفة الحصول على اخراج قيد في السوق السوداء، فيما، وللإنصاف، يمكن القول انّ المديرية العامة للاحوال الشخصية وفق ما اعلنت، عالجت اولاً المسألة عير تلزيمها الى قيادة الجيش اللبناني-مديرية الشؤون الجغرافية لطبعها واتمام اللواصق التابعة لها منذ العام الماضي بعد ان طالبت الشركات التي دخلت المناقصة بمبالغ اكبر بكثير، ثم انتقلت المديرية الى بيانات القيد الممكننة، كما طلبت من المواطنين التبليغ عن اي مبالغ اضافية تطلب منهم لاتمام معاملات بيانات القيد ليصار الى متابعتها مع المراجع الادارية والقضائيّة المختصة.
ولكن، في خضمّ هذه المعمعة، برزت نقطة مهمة حيث يبدو ان الجيش بات مستهدفاً بصورة غير مباشرة، من خلال التأخير في تجديد التعاقد معه اولاً، وايصال المبالغ اللازمة لطباعة البيانات ثانياً، وهو ما جاء ايضاً في سلسلة بيانات اصدرتها المديرية العامة للاحوال الشخصيّة، لم يعترض عليها اي من المعنيين بالموضوع (اي وزارة المالية وديوان المحاسبة). فهل من حلّ اكثر فعاليّة من تلزيم طباعة هذه البيانات للمؤسّسة الوحيدة التي لا تزال تحظى بثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي؟ ولماذا التأخير والتلكؤ في توقيع الإتّفاقات طالما أنّ الدولة هي المستفيدة الاولى من هذا الامر، فميزانية الجيش تتبع لميزانيتها، وليس هناك من وسيط او صفقة يمكن اتمامها في هذا السياق، واذا كانت المسألة كفيلة بايجاد حلول بأقلّ كلفة ممكنة ومن قبل الجيش بالذات، فلماذا التردد والتأخير؟!.
ولا شك ان بيانات المديرية التي طالبت المواطنين بتقديم شكاوى ضدّ اي موظّف او مسؤول في دوائر النفوس، تشكل اعترافاً بوجود موظفين يقومون بمثل هذه الاعمال، وانّ الطريقة الوحيدة لكشفهم ووضع حدّ لهم، هي عبر الشكاوى ومتابعتها. واذا كان صحيحاً ان المواطن بات يتردد ويقلق الى حد الخوف مما ستؤول اليه الامور في حال تشجع وقدّم شكواه نظرا ًالى تجارب سابقة اثبتت فشلها، فإنه صحيح ايضاً انه لا بد من المخاطرة والتجربة، فإما تكون المديرية على قدر المسؤولية، واما تكون كغيرها من المؤسسات والادارات التي تكثر من الاقوال وتختفي عند الافعال. ولا بد من السؤال ايضاً عما اذا كان هناك مخاتير يمكن تحميلهم مسؤولية ما يحصل، ام ان الامر يقتصر فقط على الموظفين والمواطنين الذين يدفعون المبالغ، خصوصاً وان المسألة مثلثة الاضلاع؟.
ويطرح العديد من الناس سؤالاً مشروعاً حول جدوى الاستمرار في اعتماد بيانات القيد، فيما بطاقة الهوية موجودة وفاعلة، ويتم صنعها بواسطة شركة فرنسية وبمواصفات عالميّة مهمّة، كما أنّها تعتمد في الكثير من الدوائر والمعاملات، وهناك قرار صادر منذ سنوات بوجوب اعتمادها كدليل وحيد للتعريف عن المواطن في كل المعاملات الادارية الرسميّة، وهي نفسها التي تسمح للناخب بالادلاء بصوته في الانتخابات البلدية والنيابية، فلماذا يتمّ تجاهلها؟ الجواب بسيط، وهو انّ العوائق الطائفيّة هي التي تضع حدوداً لاستعمال بطاقة الهويّة، فغياب المذهب والطائفة عنها، في هذا البلد الطائفي، يجعلها "ناقصة" من ناحية المعلومات اللازمة لاتمام المعاملات، ولو لم تكن لوائح القيد جاهزة مع المذاهب، لما امكن الانتخاب بواسطة الهويّة.
واذا كانت هناك اشكاليّة في طباعة وتجهيز بيانات القيد التي ابدى الجيش اللبناني استعداده لطباعتها، فما هو الوضع بالنسبة الى بطاقات الهوية التي تتولى طباعتها شركة اجنبية منذ اكثر من عقدين من الزمن؟! مع الاشارة الى انه في حال الوقوع في مثل هذه المشكلة، فإن الجيش غير قادر على وضع نفسه في التصرف، لان معداته ومطابعه غير قادرة على مواكبة متطلبات وشروط بطاقة الهوية.
وحتى ذلك الحين، لا يجب ان نكتب عن مثل هذه المشكلة، ولكنها للاسف فرضت نفسها في الاسابيع الماضية، على طاولة المعاناة، فيما حلّها بسيط ولا يحتاج الى الكثير من العرقلة البيروقراطيّة والمناكفات، فهل من يسمع لتخفيف معاناة الناس؟!.