خلال تحقيق فتحته المديرية العامة لأمن الدولة بملف تزوير مستندات رسمية وإستعمالها، وبينما كان عناصر من المديرية يقومون بإستجواب خالده عوده (سوري الجنسية) وهو شقيق محمد عوده أحد أبرز الإرهابيين الموقوفين في لبنان بسبب أحداث عرسال، تلقى خالد رسالة على هاتفه الخلوي من مختار بلدة البداوي الشمالية حسام البداوي وفيها أبلغه المختار بأن البطاقات التي سبق أن طلبها منه أصبحت جاهزة. رسالة كانت كافية كي يتوسع عناصر أمن الدولة معه بالتحقيق، وكي تنكشف الحقيقة الصادمة.!
الحقيقة الصادمة أن مختار البداوي يبيع بطاقات تعريف لسوريين وفلسطيين على أنهم لبنانيون مكتومو القيد. على الفور دهمت دورية من أمن الدولة منزل المختار المذكور وأوقفته، كما عثرت معه على عدد كبير من إخراجات القيد العائدة لسوريين وفلسطنيين وعلى رزمة من بطاقات تعريف بيضاء لمكتومي القيد، وكأن الرجل كان قد أعد هذه البطاقات لكتابتها وتوزيعها على من طلبها منه.
قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصار أوقفت مختار البداوي وخالد عوده ومعهما حسن فرسان كنجو وإدعت عليهم وعلى كل من يظهر التحقيق تورطه بهذا الملف. كذلك أوقفت نصار المختار عن العمل وسحبت منه الأختام الى حين إنتهاء التحقيق وأبلغت قرارها الى وزارة الداخلية والبلديات.
أخطر ما في هذا الملف هو أن كل سوري أو فلسطيني يحصل على بطاقة تعريف على أنه لبناني مكتوم القيد، تكون له الأفضلية بالحصول على الجنسية اللبنانيّة عند صدور أول مرسوم تجنيس يوقعه رئيس الجمهورية.
من الأمور الخطيرة أيضاً في الملفّ هو ما كشفته التحقيقات عن أنّ عدد الذين حصلوا على بطاقات مكتومي القيد من مختار البداوي ليس قليلاً، وفي هذا السياق تكشف مصادر "النشرة" أن تحقيقات القاضية نصار في المرحلة المقبلة ستتركز على نقطة أساسية وجوهرية وهي كشف هوية المخاتير المتورطين في هذا الملف ومعرفة عدد البطاقات الموزعة على سوريين وفلسطينيين، وإستعادتها من أصحابها لمنعهم من الإستفادة منها وتسجيلها في مديرية الأحوال الشخصية في وزارة الداخلية والبلديات.
مكتوم القيد هو شخص غير قادر على الحصول على هويّة وجواز سفر وغير قادر على ترك البلد الذي يعيش فيه. مكتوم القيد يعني الشخص الذي يفرض عليه وضعه الإقامة الثابتة حيث هو. وإذا أردتم أن تعرفوا أكثر فأكثر عن خطورة الجرم الذي ارتكبه مختار البداوي، تكفي العودة الى سجلات الأجانب في المديرية العامة للأحوال الشخصيّة في وزارة الداخلية والبلديات، والتي تفيد بأن نسبة 72% من ولادات النازحين السوريين خلال عامي 2020 و2021 غير مسجلة على رغم الجهود التي تبذلها المديرية مع مفوضية شؤون اللاجئين ووزارة الشؤون الإجتماعية لسد هذه الفجوة بشكل قانوني. وماذا ستكون النتيجة إذا لجأ عدد كبير من هؤلاء الى مخاتير يخالفون القوانين ويبيعون بطاقات مكتومي القيد لأي كان؟.
هنا يطرح السؤال هل نحن امام تجنيس مقنّع للسوريين والفلسطنيين بأختام رسميّة يستعملها بعض المخاتير للتجارة وتحقيق أرباح غير مشروعة؟.