تطبع مسيرة المُدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الجُرأة، الشجاعة، الرُجولة، الصدق، المُثابرة، حُبُّ الآخرين، عمل الخير وتقديم كلّ مُعونةٍ لِمَنْ استطاع.
هو ما ربّاه عليه والداه الحاج كاظم إبراهيم والمرحومة الحاجّة شفيقة سليمان مكّي، في منزل يعود بنسبه إلى بيت النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم).
هذا ما تحلّى به اللواء إبراهيم، المَرْضِيْ الوالدين، في كُلِّ مركزٍ تبوّأهُ في الجيش والأمن العام، أو مُهمّة تُسند إليه، تكبر به وتجد خواتيمها، انطلاقاً من الثقة بالنفس والشجاعة، والإقدام والفراسة، فهو كخط القطار المُستقيم، واضح وضوحَ الشمس، مُحاوِرٌ من الطراز النادر، يمدُّ جُسور الأوصال المقطوعة، يُدوِّر الزوايا، يطرح الحلول لإيجاد المخارج، يُفكِّك الألغام، يُبطِل مفاعيل الصواعق قبل انفجارها، لكن كُلَّ ذلك من دون المس بالثابتة الأساسية، أنْ تكون فيها المصلحة للبنان: الوطن والمُواطِن.
لا يكلُّ ولا يملُّ، فأصبح موضع ثقةٍ قلَّ نظيرُها، وأضحى رجلَ دولةٍ للمُهمّات الصعبة في الأمن والسياسة، عابرٌ للطوائف والمذاهب والبلدان.
يصنعُ البسمَةُ من أَلَمِهِ، ويزرعَها على الوُجوه، لأنّه ينظر دائماً إلى النصف المُمتلئ من الكوب.
أينما حلَّ يترك بصمةً مُميّزةً، تُؤكّد تفانيه من أجل الوطن والمُواطن، لا يأبَهُ بالمَخَاطِر في مُواجَهَةِ العدو الإسرائيلي وشبكاتِهِ التجسُّسيّة والإرهاب وخلاياه التدميرية، وهو هدفٌ دائمٌ لمُخطّطات الاستهداف، حيث نجا من مُحاولات اغتيالٍ عدّة.
كما أفشَلَ مُخطّطاتٍ قبل تنفيذها من خلال "الأمن الاستباقي" الذي اعتمَدَهُ فأصبح قائدَهُ، و"القُوّة الناعمة" بعملٍ أمنيٍّ نظيف، ما أنقذ حياة قياداتٍ بارزة، ومُواطنين والبلاد، فضلاً عن توقيف كبار المطلوبين للعدالة.
يُسجَّل للواء إبراهيم إقدامَهُ على خوضِ غمار الملفّات الدقيقة والشائكة، التي أبصرت خواتيمها، ما جعلَهُ موضِعَ حفاوَةٍ وتكريمٍ تجاوَزَ لبنان إلى العالَمِ بأسرِهِ، وفي الكثير منها يكون الأوّل الذي يحظى بذلك.
في عِزِّ الانقسامِ في البلد بفعل الحرب الأليمة، قرّر الشاب عباس إبراهيم، وهو في سن الـ21، الانخراط بالجيش اللبناني، والتحق بتاريخ 4 أيلول/سبتمبر 1980، بالمدرسة الحربية، إيماناً بما تعنيه المُؤسّسة العسكرية من انصهارٍ وطني، إلى أنْ تخرّج بتاريخ 1 آب/أغسطس 1982 برتبة مُلازم اختصاص مُشاة.
في كُلٍّ المهام المُتعدّدة التي أوكلت إليه، كان حرصه واضحاً، وبصماته جليّة، ما لفت إليه الأنظار بجرأته وشجاعته، وأسلوبه بحكمةٍ لمُعالجة الأمور، ونسج مروحة علاقات مع الأطراف السياسية والروحية والحزبية، بما في ذلك المُتخاصمة في ما بينها.
مُنذ أنْ وقع عليه الاختيار لتعيينه مُديراً عامّاً للأمن العام، في جلسة مجلس الوزراء التي عُقِدَتْ برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، بتاريخ 18 تموز/يوليو 2011، وتسلّم مهامه (20 منه)، انطلق في المُديرية لينتقل بها إلى مصاف العالمية، تنظيماً وإدارةً، ودوراً، ومهامَّ وإنجازات.
تعامل في المُديرية المُتشّعبة المهام والمجالات، مع الإنسان بانتمائه إلى الوطن من دون النظر إلى طائفته أو مذهبه أو منطقته، طالما أنّه يلتزم الأنظمة القوانين.
وهذا ينسحب أيضاً على حاملي الجنسيات الأخرى من دون النظر إلى الجنسية والطائفة.
في المُقابل، فإنّ العميل أو الإرهابي لا جنسية ولا طائفة له ولا خيمة تحميه.
جاء تعيين اللواء إبراهيم في ظل ظروفٍ دقيقة وحسّاسة، كانت تعيشها المنطقة العربية، في أوج انطلاق ما عُرِفَ بـ"الربيع العربي"، وبروز الخلايا الإرهابية، لتُضيف ملفّاً جديداً إلى التعامل مع العدو الإسرائيلي.
مُنذ اللحظة الأولى لتسلّمه مهامه، رَسَمَ اللواء إبراهيم خارطة طريق، ووضع نصب عينيه أنّ الوقت للعمل والتعاون مع الجميع، لأنّ لبنان بحاجة إلى جميع أبنائه، ويجب أنْ تُضَاعف الجهود لمنع المُصطادين بالمياه العكرة من تحقيق مآربهم المُتعدّدة، وأنّ الأولوية للمُواجهة مع العدو الإسرائيلي والإرهاب.
وساطات وإنجازات وتكريم
تعدّدت المهام التي اضطلع بها اللواء إبراهيم، بعقد مُصالحات، والقيام بوساطات تجاوزت الساحة اللبنانية لتصل إقليمياً ودولياً.
حَظِيَ اللواء إبراهيم بحفاوةٍ وتكريمٍ أيضاً تجاوز لبنان إلى المُستويات العربية والعالمية، التي حمل فيها ملفّات لبنانية وإقليمية هامّة، وصلت غالبيتها إلى خواتيمها.
تميّز اللواء إبراهيم بلقاءاته المُتعدّدة مع قداسة بابا الفاتيكان فرنسيس، الذي يكنُّ له مكانةً خاصةً، ترسّخت مُنذ اللقاء الأول بتاريخ 3 تشرين الأول/أكتوبر 2015.
نال، بتاريخ 16 تشرين الأول/أكتوبر 2020، جائزة "جايمس فولي للدفاع عن الرهائن"، تكريماً للجهود التي بذلها في الإفراج عن رهينتين أميركيتين.
نجح في ملفّات تتجاوز الحدود اللبنانية إلى الإقليم والصعيد الدولي، لعل أبرز ذلك ما جرى في:
- تشرين الأول/أكتوبر 2013: تحرير مخطوفي إعزاز، وهم 9 أشخاص لبنانيين خطفتهم مجموعة إرهابية لمُدّة 522 يوماً، ضمن أراضي الدولة السورية.
- كانون الثاني/يناير 2014: تحرير 16 عسكرياً لبنانياً من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، كانت "جبهة النصرة" قد خطفتهم لمُدّة سنة و4 أشهر.
- آذار/مارس 2014: إطلاق راهبات معلولا الـ16 (14 منهن سوريات واثنتان لبنانيات)، بعدما خطفتهم "جبهة النصرة"، لمُدّة تفوق الـ3 أشهر.
- نيسان/إبريل 2017: تحرير 26 مُواطناً قطرياً، كان قد تم اختطافهم في العراق عام 2015 على يد مجموعة إرهابية.
- تشرين الأول/أكتوبر 2017: الاشتراك مع أجهزة أمنية أخرى في تحرير 3 مُواطنين لبنانيين، هم: عماد الخطيب، جورج بتروني ونادر حمادة، كانوا قد اختُطِفوا في العراق على يد عصابة مُسلّحة لأيامٍ عدّة.
- حزيران/يونيو 2019: الإفراج عن المُواطن اللبناني نزار زكا، الذي كان مُحتجزاً في إيران مُنذ العام 2015.
- تموز/يوليو 2019: الإفراج عن المُواطن الأميركي سام غودوين، الذي كان مُحتجزاً في سوريا.
- آب/أغسطس 2019: الإفراج عن المُواطن الكندي كريستيان لي باكستر، الذي كان مُحتجزاً في سوريا مُنذ العام 2018.
- شباط/فبراير 2020: المُساعدة، بالتعاون مع دار الإفتاء الجعفري، في تحرير المُواطن اللبناني محمد رمضان، الذي كان قد اختُطف من لبنان إلى سوريا لأيام عدّة.
- شباط/فبراير 2021: نجاح الجهود بالإفراج عن عدد من اللبنانيين، الذين كانوا موقوفين في دولة الإمارات العربية المُتّحدة.
- تموز/يوليو 2021: التوقيع على اتفاقية، تُتوّج إنجاز حصول لبنان على النفط العراقي، نظراً إلى علاقة اللواء إبراهيم مع الرئيس العراقي مصطفى الكاظم.
- آب/أغسطس 2021: تحرير 19 شخصاً من العائلات الألبانية، كانت موجودة في مُخيمات سورية تابعة لميليشيات تُطلِق على نفسها اسم "قسد".
تطوير المُديرية
مُنذ أنْ تسلّم اللواء إبراهيم المهام في المُديرية العامة للأمن العام، جهد لتطوير وتحديث مجالاتها واستحداث فروع وأقسام جديدة، تمثّل ذلك بزيادة عديد ضُبّاط وعناصر الأمن العام إلى ما يُقارب الـ8300 عسكري، بعدما كان 3900 عسكري، واستحداث أكثر من 73 مبنى جديداً للأمن العام، وبدء أعمال استحداث معهد تدريب خاص بالأمن العام في الدامور.
تتعدّد مهام الأمن العام وتتشعّب لتشمل ميادين أمنية، سياسية، اجتماعية، اقتصادية وإعلامية، ولا تقتصر فقط على اللبنانيين، بل تُعنى بكل المُقيمين على الأراضي اللبنانية.
*أمنياً: تشمل جمع المعلومات وتقييمها والتنسيق الأمني لمُكافحة ما يُسمّى بالأمن ومُلاحقة أعمال التخريب.
*تقنياً: منح وإصدار جوازات سفر ووثائق سفر للاجئين الفلسطينيين وسمات الدخول للأجانب.
وجرت مُواكبة التطوّر عبر إصدار جوازات سفر "بيوميتري"، وبالتعاطي مع الأجانب من خلال تقديم التسهيلات في ما يتعلق بدخولهم وإقامتهم وخروجهم، فضلاً عن تنسيق العلاقات مع البعثات الأجنبية في لبنان.
هذا مع ضبط حركة المُسافرين القادمين والمُغادرين من الجنسيات كافة.
وإطلاق وبِدِء تنفيذ مشروع أمن عام بلا ورق.
*التدقيق القانوني لوسائل الإعلام: مُتابعة مدى التزام وتطبيق وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمطبوعات والتسجيلات مع النصوص القانُونية المرعية الإجراءات في لبنان.
*استحداث دائرة حقوق الإنسان والمُنظّمات والهجرة في العام 2016: لمُتابعة الإلتزام بحقوق الإنسان ومنابعها، والهجرة غير الشرعية، ومُكافحة الإتجار بالبشر وعمالة الأطفال غير القانونية.
*في الملف الفلسطيني: يُسجّل للواء إبراهيم إقدامه على فتح "كوّة" في جدار العلاقات مُنذ دخوله إلى مُخيّم عين الحلوة بتاريخ 30 تشرين الأول/أكتوبر 2006، وما تلا ذلك، فأضحى خبيراً بهذا الملف، وقاسماً مُشتركاً في تقريب وجهات النظر، فاستحق كُلَّ تكريمٍ وليس آخره "وثيقة مُواطنة الشرف الفلسطينية"، التي منحه إياها رئيس دولة فلسطين محمود عباس، ليكون أوّل شخصية تتسلّم هذه الوثيقة، خلال استقباله سفير دولة فلسطين لدى الجمهورية اللبنانية أشرف دبور.
*قوّات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان "اليونيفل": تعود علاقة اللواء إبراهيم معها إلى سنوات عدّة، وتولّى التنسيق معها، ما ساعد في توطيد علاقة أصحاب "القبّعات الزرقاء" مع المُجتمع الجنوبي.
كان له دور بارز بالمُشاركة في تحضير قرارات الحكومة اللبنانية المُتعلّقة بالعدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز/يوليو 2006، التي أفضت إلى صدور القرار الدولي 1701، ومن ثم نشر قوّات "اليونيفل" المُعزّزة في جنوب لبنان.
قصف سياسي!
كثيرة هي الملفات والرسائل التي حملها اللواء إبراهيم بين الأفرقاء السياسيين، خاصة ما يتعلّق بشأن تشكيل الحكومة وتذليل العقبات، وتقريب وجهات النظر في ظل التموضع والتجاذبات.
تجاوزت المُهمّة إلى الصعيدين الإقليمي والدولي، مُوفداً رئاسياً وشخصية لها مكانة تحظى باحترام وثقة كبيرة.
هذا النجاح جعل اللواء إبراهيم عرضة لسهام وقنص وقصف المُغرضين والمُتضرّرين من الاستقرار والأمن في لبنان، ودوره المُميّز، فكان عرضة مراراً وتكراراً لـ"فبركة" أخبار وملفّات، تبيّن عدم صحّتها.
واعتبر اللواء إبراهيم أنّ "الحملة المشبوهة، يعمل من خلالها البعض على اغتياله معنوياً وبقي أمامهم الاغتيال الجسدي".
لكن أخطر ما في الأمر، هو التركيز على شخصية اللواء إبراهيم في ملف انفجار مرفأ بيروت، علماً بأنّه كان قد زوّد المسؤولين اللبنانيين المعنيين، بالمعلومات عن وجود كمية كبيرة من نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 في المرفأ، بعد فترة من إفراغ حمولتها من على متن السفينة "روسوس".
كثر نسج الروايات المُغرضة بشأن ما يتعلّق برفع الحصانات، إلى أنْ حسم المُحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري الأمر، بأنْ أعاد بتاريخ 17 آب/أغسطس 2021، طلب المُحقِّق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، من دون الادعاء على اللواء إبراهيم.
يقول المثل الشعبي: "إعطي خبزك للخباز لو أكل نصه"، فكيف إذا كان إبن نقيب أصحاب المخابز، الذي عرف كيف يُحافِظ على تأمين الخبز للمُواطن في أصعب الظُروف وأقساها، مع صون حقوق أصحاب الأفران والعُمّال، من دون أنْ يكون ذلك على حساب المُواطن، فيزيد على الطحين الأبيض الماء والملح وخميرة خبرها، ليخرج من الفرن رغيفاً تفوح منه رائحة ذكية تبعث على الطمأنينة والذكريات الجميلة، فيصبح المثل: "خُذْ خبز مُحمّر ومُقمّر وبكمية كاملة مع حبّة بركة السياد".