وجّه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، رسالة بمناسبة الذكرى السنوية الـ 43 لاختطاف السيد موسى الصدر ورفيقيه، وجاء فيها، "تعود ذكرى اختطاف الإمام الصدر وأخويه الشيخ محمد يعقوب والأستاذ عباس بدر الدين في ليبيا على يد معمّر القذافي ونظامه الأمني السياسي هذا العام، والإمام موسى الصدر أشدّ حضوراً وتأثيراً بالمنطقة والعالم وكأنه مركز صناعة الحدث وإدارة الأزمة، وللإمام الصدر بهذا المجال مواقف شديدة الأهمية، فمنها ما خاطب به العرب مشيراً أن حماية العرب تبدأ من إصلاح الأنظمة السياسية بما يمنع استبدادها، لافتاً أن قوة العرب بأخلاقيتهم واستقلالهم فإذا فقدوا أخلاقيتهم واستقلالهم تحوّلوا قوى ممزقة بيد أمريكا وإسرائيل، وأن لبنان الضعيف جداً بالطائفية يمكنه أن يكون قوياً جداً بدولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، وأن الغنى والفقر والهدر والصفقات والفساد والنهب في لبنان نتيجة سياسية للفساد السياسي والكارثة الطائفية، مؤكداً أن مركز أزمة لبنان بنظامه السياسي الفاسد وإقطاعه الذي يعتاش على الظلم والأنانية والعائلية والتبعية، وأن الضرورة تحتّم علينا أن نكون عائلةً وطنيَّةً واحدة، وأن كثرة الطوائف والمذاهب يلزم منها وجود مشتركات فكرية وحكومية وسلوكية عامة تنمّي أواصر العائلة الوطنية وتمنع التمزق وتحترم الخصوصيات، وهو ما سمّاه بدولة المواطنة بعيداً عن سرطان الطائفية السياسية المسؤولة عن الثقب السياسي الأسود في لبنان، وأشار إلى أن الإسلام أطروحة سماوية تكرّس محبة الإنسان وقداسة البشر ورحمة الله، والإسلام بجوهره هو المسيحية بعينها، وكذا المسيحية وكافة الأديان السماوية، لذا لا يمكن أن يكون الإسلام إلا حيث الحق والعدل وكرامة الإنسان والأوطان، بل لا يمكن أن يكون الإسلام عدو المسيحية والعكس صحيح. وأن العالم مجرد غابة يلتهم القوي فيها الضعيف، والمطلوب تطوير عقل العالم عن طريق منظمة أممية قادرة على إدارة العالم عبر ميزان أخلاقي قوي بعيداً عن القوة الظالمة ومشاريع الخراب والعدوان. وعن فلسطين أشار إلى أن فلسطين مركز استقرار ونزاع الشرق الأوسط فلا يمكن أن يستقر الشرق الأوسط وفلسطين محتلة، وأكد أن قضية فلسطين والقدس أكبر من أن تموت أو تتحول صفقة، ولا يمكن أن نرضى بسحق فلسطين والقدس على يد أفسد خلق الله بالأرض. وحذّر الشعوب المغيبة من لعبة واشنطن والغرب التي تعتاش على تمزيق الدول والشعوب وتستثمر بالحروب والتبعية والخراب، ولفت إلى دعاية الأنظمة الحكومية لأن أكثر السياسيين مجرد سماسرة همهم الكرسي والثروة والعائلية لا الناس، والمطلوب حماية الناس عن طريق تنمية الإنسان وتجيير الإمكانات الحكومية والأهلية لبناء أرضية نظام سياسي عادل بقاعدة حقوقية ونظام مؤسسات يمنع الاستبداد والفساد والشخصنة ومغارة الصفقات والتلزيمات، وكان صريحاً جداً بخيانة كثير من الأنظمة العربية لشعوبها بحيث تحوّلت أغلب الشعوب مجرّد عمّال مرتزقة بمزرعة سلطان سياسي يعتقد أن الدولة والمؤسسات والوطن والناس والموارد مزرعة لعائلته. ولفت إلى أن كفالة الأوطان تكمن بشعوبها الحرة وإرادتها الواعية، والحرية تبدأ بالوعي والتنمية الفردية، لأن الاعتماد على الأنظمة الفاسدة لا يزيد الشعوب إلا ضياعاً، لذا تشدد بالدفاع عن الأوطان، وحذّر من سايكس- بيكو سيطال العرب بصميم أوطانها، لأن ما بدأ بفلسطين وخذلان العرب سينتهي بتمزيق العرب وتحويلهم جزراً سياسية تلتهمها العداوة والفتن والأحقاد، مؤكداً أن الخيار مقاومة، ومن دون مقاومة لا سيادة ولا استقلال، وأن المقاومة مقبرة الاحتلال وضرورة وجودية للأوطان بعدما تبيّن أن الأنظمة السياسية مجرّد شركة دعاية تعتاش على التبعيّة القذرة للغرب الخائن، وخصّ الطوائف اللبنانية بدعوته للحوار والتعايش الكامل بعيداً عن المعابد السياسية ومواقدها، لافتاً إلى أن الفقر والجوع والنزيف الاقتصادي والاحتكار المالي النقدي والفراغ الوطني سببه زعامات وقوى تعتاش على الفساد والتبعية، داعياً شعب لبنان إلى التوحّد للخلاص من الفساد السياسي والإقطاعي وقطع يد التبعية، محذراً بشدة من واشنطن التي تمصّ دماء الشعوب وخيراتها وتتعامل مع الدول كفرائس، وهو موقف اليوم، فلبنان اليوم يعاني من أسوأ انهيار اقتصادي وفشل سياسي وتحريض طائفي وحصار دولي إقليمي وسط تبعيّة حوّلت لبنان فريسة مجانية لأميركا وغيرها، والحل اليوم بانتفاضة وطنية لقطع يد أميركا عن لبنان، والأكيد أن أميركا سبب أكبر الكوارث التي نعيشها اليوم، كما أن النظام السياسي اللبناني جزء من الكارثة التي تطحن لبنان، والمطلوب تطوير النظام السياسي والخيار الدولي، ولا مجال أبداً للتعايش مع عدو يريد خنق لبنان، لذلك الخيار الشرقي ضرورة وجود وإنقاذ للبنان، وعلى الشعب اللبناني أن يفهم أن العالم تغيّر جداً وأن النظام العالمي السابق انتهى، وأن النظام العالمي الجديد ينتقل سريعاً إلى الشرق، والمطلوب أن نكون شرقيين بشبكة الأسواق والموارد ومشاريع التنمية وأسباب القوة والحضور، وأن يكون خيار الإنقاذ عبر الشرق، لذلك الموقف من واشنطن التي تدير لعبة خنق لبنان عبر تسونامي مالي نقدي بما في ذلك تشحيل المحروقات والدواء والغذاء والأسباب المعيشية وتتلاعب بمنصات الدولار وتمنع المساعدات والأموال والتنقيب البحري يكون عبر بديل قوي، وهو اليوم متمثل ببكين وموسكو وطهران، والعروض الموجودة الآن تكفي لإنقاذ لبنان ووضعه على سكة دولة إقليمية نامية وقوية، وسفن المحروقات الإيرانية بمختلف أنواعها هدفها إنقاذ مصانع ومعامل البلد وما زال عرضها لكهرباء 24/24 فضلاً عن المشروعات الهيكلية الكبيرة موجوداً على الطاولة ولا يحتاج إلا إلى إرادة وطنية شجاعة. والعهد للإمام الصدر أن تبقى قضيته كالصلاة، وأن نكون وطنيين بمقدار ما تحتاج العائلة الوطنية لهذا البلد بكل طوائفه، وأن نطور النظام السياسي بما يضمن الشراكة الوطنية والعيش المشترك عبر دولة مواطنة عادلة بعيداً عن الطائفية السياسية التي حولت البلد مزرعة إقطاعيات، وأن نخوض معركة استقلال لبنان الاقتصادي على قاعدة "استقلال لبنان الاقتصادي يمر بالشرق لا بواشنطن ولوبيّاتها الدولية والإقليمية"، وأن يبقى الخيار مقاومة، وأن إسرائيل شرّ مطلق ويجب أن تزول، وأن تحرير فلسطين ضرورة لمنطقة مستقرة، وأن العرب عرب باستقلالهم لا بتبعيّتهم لمركز الشر العالمي، وأن الدول الإسلامية إسلامية بمقدار أنسنتها ونهوضها وتسامحها وحضورها العالمي كقوة أخلاقية تعكس أخلاق الله بمشروعها ونظامها وخدمات شعبها وشعوب العالم، وأن قضية موسى الصدر وأخويه بحجم وطن وأمة وإنسان، لأن ما قدّمه موسى الصدر بحجم وطن وأمّة وإنسان. ولأن ما تمّ الكشف عنه بعد سقوط نظام معمّر القذافي يؤكد خيانة أنظمة وزعامات، لذلك المطلوب من القيادات الليبية إنهاء هذه القضية بالمعلومة والوقائع والتفصيل والقرار السياسي، وسيبقى موسى الصدر إمام الوطن والإنسان، ما دام هناك وطن وإنسان. ولن ننسى موسى الصدر والليالي التي خيّمت بربوعنا حيث جلسات الليل الطويلة على مائدة فكره وعقله وهمومه وخياراته والوصية الأساس: لبنان والأوطان والشعوب المظلومة والنظام السياسي، وطالما كان همّهُ بدولة إنسان عادلة، لأن أكبر قداسة الله تبدأ بالإنسان".