أشارت مصادر سياسيّة مواكبة لملف تأليف الحكومة، في حديث إلى صحيفة "الشرق الأوسط"، إلى أنّ "المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم التقى أكثر من مرّة رئيس الجمهوريّة ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، واستمع إلى وجهة نظر كلّ منهما، ما سمح له بحصر الخلاف بكلّ تفاصيله وجزئيّاته، ليكون في وسعه التوصّل لإيجاد مساحة مشتركة تفتح الباب أمام تواصلهما في لقاء هو الرابع عشر منذ تكليف ميقاتي بتشكيل الحكومة؛ على أن يكون حاسمًا إلّا إذا انتهى إلى إيجابيّة تستدعي عقد لقاء آخر".
ولفتت إلى أنّ "اللواء إبراهيم الّذي كان قد اصطدم بحائط مسدود في وساطته بين الرئيس عون ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري، قبل أن يتّخذ قراره بالاعتذار ليخلفه ميقاتي، يحاول الآن الإفادة من التجربة المريرة الّتي خاضها، وبادر إلى تسلّم لائحة من ميقاتي بأسماء التشكيلة الوزارية الّتي عرضها على عون، ولجوء الأخير للردّ عليه بلائحة أُخرى غير قابلة للتسويق، لأنّ صاحبها يصرّ على الثلث الضامن في الحكومة رغم أنّه وأوساطه تنفي على الدوام إصراره على ذلك".
وأكّدت المصادر أنّ "إبراهيم أجرى مقارنةً بين اللائحتين، في محاولة لحصر الخلاف في نقاط محدّدة تتيح له إعداد مقاربة يمكن التأسيس عليها لإنقاذ مشاورات التأليف"، موضحةً أنّه "يتجنّب ضخّ جرعة من التفاؤل ما دام يفتقر إلى الشروط الموضوعيّة الّتي ما زالت غير متوافرة، وبالتالي فهو يعطي نفسه فرصة تمتدّ إلى نهاية هذا الأسبوع، ليس لاختبار النيّات فحسب، وإنّما للتأكّد من أنّ الطريق إلى التأليف أصبحت سالكة".
وسألت "إذا كان الرئيس عون على استعداد لأن يعطي اللواء إبراهيم لتسهيل وساطته، ما لم يعطه للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ولمستشاره باتريك دوريل، الّذي تربطه علاقة بإبراهيم مهّد لها "الحزب التقدمي الاشتراكي"، الّذي أمّن التواصل بينهما بعد أن كانت علاقته محصورة بسفير فرنسا الأسبق لدى لبنان مسؤول الاستخبارات الفرنسية الخارجية، إيمانويل بون؛ وتأتي في سياق التنسيق الأمني بين الأمن العام والاستخبارات الفرنسية وتبادل المعلومات بين هذين الجهازين".
وبيّنت أنّ "لذلك، فإن باريس لن تكون عائقًا أمام توفير الشروط لإنجاح وساطة إبراهيم، لأنّ ما يهمّها إنقاذ مبادرتها الّتي يعطلها عون وفريقه السياسي، بمنعها من تشكيل حكومة مهمّة تأخذ على عاتقها وقف الانهيار"، مركّزةً على أنّ "إبراهيم يتعامل بحذر شديد في تنقّله بين ميقاتي وعون، رافضًا إطلاق جرعات من التفاؤل لئلّا يأخذ اللبنانيّين إلى مزيد من الإحباط، رغم أنّ "حزب الله" ذهب بعيدًا في تفاؤله الّذي يعوزه الحدّ الأدنى من مقوّمات الصمود.
كما شدّدت المصادر نفسها على أنّ "وساطة إبراهيم تختلف كليًّا عن الدور الّذي أُوكل إلى المحامي كارلوس أبو جودة، الّذي تنقّل باستمرار بين عون وميقاتي في مهمّة لا تعدو كونها نقلًا للرسائل المتبادلة بينهما، مع أنّ اجتماعه الأخير بميقاتي قوبل بـ"حرَد" من رئيس الجمهوريّة، الّذي امتنع عن استقباله خلال عطلة نهاية الأسبوع، لسؤاله عن جوابه على التشكيلة الوزاريّة الّتي سلّمه إيّاها ميقاتي في اجتماعهما الثالث عشر".
وأفادت بأنّ "مهمّة إبراهيم تتجاوز وساطته بين ميقاتي وعون، إلى الفريق السياسي المحسوب على الأخير، الّذي لا يزال يتصرّف كأنّ تشكيل الحكومة على حاله، أي في المربّع الأول، وهو يتواصل مع عدد من الوزراء في حكومة تصريف الأعمال على أساس أنّ الحكومة المستقيلة ستذهب مع انتهاء الولاية الرئاسية لعون، ويطلب منهم مزاولة أعمالهم كالمعتاد، غامزًا من قناة رئيسها حسان دياب، متّهمًا إيّاها بالاستسلام لإرادة رؤساء الحكومات السابقين".
إلى ذلك، أوضحت أنّه "مع أنّه لم يظهر حتّى الساعة ما إذا كانت باريس ستشكّل رافعة لإنجاح الوساطة الّتي ينبري لها إبراهيم، الّذي يرفض أن يغرق في تمديد أزمة تشكيل الحكومة، وبالتالي فهو يعطي لنفسه فرصة لن تكون مديدة لاختبار النيّات، بدءًا بمدى استعداد عون للتعاون معه لتسريع تشكيلها، أم أنّه يريد تقطيع الوقت اعتقادًا منه بأنّه يرفع عنه الضغوط الّتي تتّهمه بتعطيل تشكيلها، وصولًا لفرض استمرار الحكومة المستقيلة كأمر واقع".