لم يجهد وفد الكونغرس الاميركي الذي انهى زيارته للبنان، لاخفاء معالم وطبيعة اهداف هذه الزيارة. واتت التصريحات العلنية لاعضاء الوفد لتلقي الضوء على ما تريده الادارة الاميركية الجديدة من لبنان. بداية، كان الهدف التشديد على ان لبنان لم يعد في اسفل سلم الاولويات الاميركية، وبعدها ايصال رسالة الى من يعنيه الامر ان التحرك السريع اتى بهدف ثلاثي: الاول هو التوضيح ان واشنطن لا تمانع تشكيل حكومة برئاسة النائب نجيب ميقاتي، بالرغم من انضمام وزراء ينتمون (بطريقة مباشرة او غير مباشرة لحزب الله) وانها لن تعمد الى عرقلة الموضوع، ولو انها لن تضغط بكل قوّة في سبيل انجازه. ولا بد من القول ان الاعلان الاميركي عن قرب تشكيل الحكومة ربما قبل نهاية الاسبوع، يحمل دلالات على ان الاميركيين لم يكتفوا بالتسهيل، بل كان لهم ايضاَ الباع في التأليف، اللهم اذا صدقت النوايا، على الرغم من ان كل المؤشرات تصب في هذه الخانة حالياً. ومع ان الوفد كان "قاسياً" في توصيف حزب الله (اعتبره بمثابة سرطان)، الا أنّ التصعيد اقتصر على التوصيف فقط من دون اتخاذ اي تدابير عمليّة اضافيّة، على اي صعيد كان، حتى انّه لم يتطرق الى الانفتاح الفرنسي العلني على الحزب، وهو امر مستغرب بعض الشيء، ووحي بأن المقاربة الاميركية للبنان في الوقت الراهن باتت مغايرة بعض الشيء في الشكل وليس في المضمون.
الهدف الثاني الذي اراد الوفد ايصاله، هو ان الخطة "ب" جاهزة، اي ان عدم القدرة على تشكيل حكومة لن يؤدّي الى "الخراب"، فكان تشديد جديد على دعم الجيش اللبناني بكل الوسائل المادّية واللوجستيّة، لتمكينه من الامساك بزمام المبادرة وضبط الامن بشكل كامل، ليبقى هو صمام الامان الوحيد الذي يقف في وجه التفلّت الكلي. وهذه احدى الركائز التي اعتمد عليها اعضاء الكونغرس للقول ان هناك ما يمنع وصول لبنان الى القعر، والوصول الى النهاية السيّئة التي سبق أن عاشها في مراحل سابقة من تاريخه. وفي هذا الدعم للجيش، يجد الاميركيون الحلّ الدائم لاستمرار المظلة الامنية التي ساهموا في وضعها بشكل فاعل فوق لبنان منذ نحو عشرة اعوام، وكان لها الفضل في تجنيب سيناريو الحروب الداخلية والخارجية، في ظل تدهور الاوضاع حوله الى حد كارثي.
اما الهدف الثالث فكان لا بد ان يكون موضوع ترسيم الحدود، ولو انه غاب عن التصاريح العلنية ما عدا جملة وحيدة اتت في سياق الزيارة التي سيقوم بها الوفد الى اسرائيل. وليس عبثاً اصرار واشنطن على الدخول على خط تأمين الطاقة الكهربائية للينان بشكل سليم عبر تشجيع مصر والاردن لتأمين الغاز الى لبنان عبر سوريا، والاهم ابداء الرغبة الكاملة في استثناء البلد من قانون عقوبات قيصر الذي يطال سوريا، ما يتيح وصول الغاز من دون تعقديات او عقوبات. وللمفارقة، فإن هذا الامر سيجعل التساؤل مشروعاً حول وجوب استثناء النفط الايراني من الدخول الى عبر سوريا من اي عقوبة، والا فإن الاستنسابية ستخلق مشكلة لان الحل الاميركي ولو انه افضل، غير انه يتطلب وقتاً طويلاً، فيما الازمة خانقة ولا تحتمل انتظار كل هذا الوقت.
وعليه، فإن الدخول الاميركي على خط الطاقة، مفاده ان الترسيم الحدودي للنفط ليس بعيداً عن هذا الاهتمام، كما ان دعم الجيش (الذي يفاوض باسم لبنان)، هو "شريك" لا يجب الضغط عليه اكثر من اللازم. وبكلام آخر، فإن الرسالة الاميركية هي ان التسهيل هو العنوان حالياً، وليس العرقلة، وبالتالي نكون امام فرصة لالتقاط الانفاس بحكومة (يكون افضل بالتأكيد) او من دون حكومة.