ورد في سفر التكوين: "فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ"(تك 1: 27). هذا بالأساس أن الخلق صُنع الله، ولكن ما شهدته البشرية منذ التكوين لتاريخه، أن هناك مخلوقاتٍ، أقل ما يقال فيها، أنها خانت أصلها، وباتت وحوشًا متنقلة، تفتك بالآخر، ذكرًا كان، أم أنثى.
لم تعرف البشرية عصرًا هادئًا، منذ أن قتل قايين أخاه هابيل، وقد اعتبر، الأب الدكتور جورج مسوح، رحمه الله، هذه الواقعة، بمثابة الحرب العالمية الأولى، حيث نصف العالم قتل النصف الآخر.
قتل، إذلال، تنكيل، تهجير، إحتكار، كارتلات، سرقة، فساد، طغيان، دكتاتوريات، تشنيع، وهلمَّ جرّا من أحداث لا توصف، كلّها ناتجة خوفا من الغد ومن المجهول، ومن الآخر. إضافة إلى ذلك، الغيرة، والطمع، والحسد، والشهوة، والجنس، وعبادة المال، الأساس في جعل البشر ينهشون بعضهم بعضًا، في سبيل السيطرة، وبغية الحصول على المغانم والمكاسب. وما نشهده في هذا البلد، من احتكار للأدوية والمحروقات، وأبسط سبل العيش، أليست مَثلاً ساطعًا، عن وحوش بشريّة تفتك بنا، لأجل مجدها ومجد مَن يحميها من السياسيين؟.
تبقى المرأة، وهي محور هذه السطور، النقطة الأضعف في مسار التاريخ؛ ما زالت عرضةً للسبي والإغتصاب والتنكيل. استعبدوها وتاجروا بها ومارسوا الغوغائية بحقها، ولم تسلم لتاريخه، من اعتداءات وحوشٍ "بشرية"، تتنقل بين الناس.
هذا المخلوق الضعيف، قد يعتقد بعض الوحوش البشرية، أنهم باغتصابها، وإجبارها على فعل الشنائع الجنسيّة والجسديّة والنفسيّة، يستطيعون تحطيمها وإذلالها، والقضاء على معنوياتها وعنفوانها، ودورها الريادي، الذي رسمه الله لها. لكنّها، عند كلّ سقطة، تنهض أقوى وأقوى.
وعندما يذكر، العهد القديم، جريمة الإغتصاب، يصوّرها كانتهاك كبير لخطّة الله في معاملة الجسم البشري (تكوين 34). ويدين الإغتصاب في أي موضع يذكر به.
يبقى التدخّل الإلهي فعّالاً، مع النساء اللواتي تعرضن للإغتصاب، وللتعنيف على أنواعه. الله يسترهن ويعضدهن ويشجعهن، ليخرجن من هذه المكيدة التي وقعن بها، نتيجة غريزة، بعض الوحوش الذكوريّة، التي تأتي إلى النساء كنعاج، وهم في الداخل وحوشٌ كاسرة، مدّعين العفة والطهارة والأخلاق، وهم في باطنهم ذئاب خاطفة.
المرأة ليست سلعة، تُشترى وتباع، إنها من ضلع الرجل، تصبح هكذا بإرادتها، اذا شذّت عن المألوف.
العبرة تبقى، في نهوض النساء المعنَّفات، والخروج من هذه الأزمة منتصرات على المعتدين. فبعضهن حققن وثباتٍ كبيرة على الصعيد الشخصي، كردّة فعل. وبعضهن ما زلن تحت هول الصدمة، ولم تشفين من المكائد التي نزلت بهنّ. أمّا بعضهنّ فيغرقن في خطايا لاحقة، لعدم إيمانهن بأن الله يحتضن الخطأة، ناسياتٍ أنّ المسيح قال لراجمي الخاطئة: "من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر".
فلتصغي المرأة إلى صوت قلبها وعقلها، لا إلى غرائزها الجسدية، ولا تنجرف، اذا وقعت في أيدي الخطأة، إلى ملذّات الجسد، كردة فعل، فلتتذكر أن الله كالأب في مَثل الأبن الشاطر، فاتحٌ يديه لأستقبالها مجدّدًا.
تحقق المرأة المعنَّفة إنتصارًا على مفترسيها، من خلال ثقتها بنفسها، ومن خلال عدم تحميل الله، مسؤوليّة ما قامت به وحوشٌ شيطانيّة بها. أضف إلى أنه وجب بمكان ما، أن تتابع النساء المعنَّفات التواصل مع أخصائيين نفسانيين، وآباء روحيين، وأخوة مخلصين. ولنترك هذه الوحوش إلى دينونة السماء.
أنا لا أنفي وجود نساء، مغناج، يبغين إسقاط الرجال في غوايتهن، لكن هذا هو الإستثناء. القاعدة، أن أنظر في المرأة أولًا صورة مريم العذراء، التي اصطفاها الله بين نساء العالمين، لكي يسكب روحه فيها. هي قدوة لكلّ النساء، اذا فهمن ما قالته للملاك: "ها أنذا آمة الرب". كلّ امرأة طائعة لكلام ربها، هي على مثال مريم.
لينظر الرجال إلى كل امرأة، على أنها أمّه وشقيقته وزوجته وابنته وكنّته وحفيدته، وعندها يتذكر، كيف يحميهن من أعداء منظورين وغير منظورين، وليتذكر هذه الآية: "كما تريد أن يعاملك الناس كذلك انت عاملهم". وكلّ شخص يسمح لنفسه، أن يتصرف بوحشيّة مع الجنس اللطيف، لا يلوم الآخرين، عندما يعتدون على عرضه وشرفه.
ندائي إلى كل امرأة، أن تحافظ على أنوثتها أولًا، وأن تحصّن نفسها من الوقوع والإيقاع في الخطيئة، ولتتذكر أن الحُسن والبهاء والجمال والدلال، إلى زوال، أما النفس فإلى الخلود. كوني الأم والزوجة الصالحة، ولا تكوني هيروديا أو سالومة، هذا أولًا، ولا تخفي أمر مَن اعتدى عليك وعنّفك ثانيًا، لأنّ هذه الوحوش المتنقلة، لا بد أن تتربى بقانون الأرض، قبل دينونة السماء. كوني جريئة بالحق، في كلّ مواقفك ولا تخافي، عندها يكون معراجك ملكوت الله، والوحوش المتنقلة، إلى أسفل دركات الارض.