على وقع حالة الإستعصاء القائمة على المستوى السياسي، يبدو أن غالبية الأفرقاء قرروا الذهاب إلى فتح النار على منظمات المجتمع المدني، على قاعدة أن حضورها في الإنتخابات النيابية المقبلة لن يكون هامشياً على الإطلاق، الأمر الذي يفسر الإنتقادات والإتهامات التي توجه لها، ضمن سياق ترى بعض الأوساط الفاعلة في هذه المنظمات أنّ الهدف منها هو "الشيطنة"، بعد الدراسات التي أكّدت أنها ستكون قادرة على الفوز بعدد لا يستهان به من المقاعد النيابية.
في المقابل، يبدو أن وتيرة الرهان الخارجي على هذه المنظّمات في طور الإرتفاع، خصوصاً أن هناك جهات فاعلة، تحديداً الجانبين الأميركي والفرنسي، تعتبر أن محطة الإنتخابات النيابية ستكون مفصليّة على هذا الصعيد، بعد الإتهامات التي كانت قد ذهبت إلى توجيهها إلى الطبقة السّياسية في الفترة الماضية.
ضمن هذا السياق، ترى مصادر متابعة، عبر "النشرة"، أنه من الممكن فهم المواقف التي صدرت عن بعض أعضاء وفد الكونغرس الأميركي، الذي زار بيروت في الاسبوع الماضي، حيث برز التأكيد على أهميّة إجراء الإنتخابات النّيابية في موعدها، بالتزامن مع الحديث عن أنها ستقود إلى بروز قيادات جديدة، بعد أن كان وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان قد دعا تلك المنظمات، خلال زيارته الماضية إلى بيروت، إلى التوحّد والتحضير للإستحقاق الإنتخابي.
من وجهة نظر هذه المصادر، تراهن واشنطن تحديداً بالقدرة على إحداث تغيير في معادلة الأكثريّة النيابية، عبر استثمار الغضب الشعبي على الطبقة السياسية في صناديق الإقتراع، خصوصاً أن تلك الطبقة لم تنجح، منذ السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، في تقديم أيّ حلول تساعد على معالجة الأزمات التي تجتاح البلاد.
في المقابل، تلفت المصادر نفسها أنّ القوى السّياسية المحلّية وجدت في تلك المواقف مبرراً لتوسيع حملتها على تلك المنظمات، حيث يبرز على هذا الصعيد كل من "حزب الله" و"حركة أمل" و"الحزب التقدمي الإشتراكي"، فأمين عام الأول السيد حسن نصرالله لم يتردد، في خطاب سابق، في الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة لجأت إلى تلك المنظّمات لتنفيذ مشروعها، بينما رئيس المجلس النيابي نبيه بري ذهب إلى تلميحات قاسية، في خطابه بذكرى تغييب الأمام موسى الصدر، عندما تحدّث عن أنّ الجميع يعلم من يمولها ويدربها، في حين أن رئيس "الإشتراكي" وليد جنبلاط تعمد الحديث عن أموال وصلت بعد انفجار المرفأ، لكن كيفية توزيعها أو تخصيصها تبقى سؤالاً كبيراً.
وفي حين تشير المصادر المتابعة إلى أن موقف كل من "تيار المستقبل" و"التيار الوطني الحر" من هذه المنظّمات لا ينفصل عن موقف القوى المذكورة في الأعلى، وتتوقف عند الرسالة التي وجهها لها رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، في خطابه يوم الأحد الماضي، حيثت كان من المواضح أنه يريد إستمالة تلك الناشطة على الساحة المسيحية، خصوصاً أن الإحصاءات تثبت أن التأثير الأبرز سيكون فيها.
في هذا الإطار، توضح هذه المصادر أنه بالإضافة إلى محاولة "الشيطنة"، التي من المفترض أن تتصاعد في الفترة المقبلة مع إقتراب موعد الإستحقاق الإنتخابي، بدأت، في بعض الدوائر الإنتخابيّة، محاولات العمل على شرذمة الجهود القائمة لتشكيل لوائح موحدة، حيث يعمد كل فريق إلى محاولة بناء نواة لوائح تحسب على المجتمع المدني، بهدف شرذمة الأصوات التي من المفترض أن تعبّر عن تبدّل في مواقف المواطنين في صناديق الإقتراع.
في المحصّلة، تجزم المصادر نفسها أن محاولة "الشيطنة" قد تكون مؤثّرة في بعض الدوائر على نحو كبير، لكنها تلفت إلى أنّ المواقف الدولية لا تساعد كثيراً في تجاوزها، بل على العكس من ذلك تخدمها في تقديم المزيد من الأسباب الموجبة لمهاجمتها، لا سيما أن هناك قسماً كبيراً من الشخصيات والمنظمات ليس من ضمن دائرة الرهانات أو الدعم الذي يحصل عليه الآخرون.