شكلت زيارة الوفد الوزاري اللبناني إلى دمشق واجتماعه مع نظرائه السوريين، نقطة تحوّل على صعيد عودة تطبيع العلاقات بين سورية ولبنان، والتي فرضتها موازين القوى المتولّدة من انتصارات سورية وحلفائها في محور المقاومة،، وروسيا من ناحية، ومعادلات القوة والردع التي كرّستها المقاومة اللبنانية في مواجهة كيان العدو الصهيوني، والهيمنة الاستعمارية الأميركية من ناحية ثانية.
فالانفتاح اللبناني الرسمي على سورية والتباحث بين المسؤولين في البلدين في كيفية التعاون لاستجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سورية إلى شمال لبنان، ومن ثم الانفتاح الأردني المصري على سورية عبر تحديد موعد سريع للقاء رباعي لوزراء الطاقة الأردني والمصري والسوري والللبناني، يوم غد الأربعاء في العاصمة الأردنية، إنما يعود الفضل فيه إلى قرار المقاومة الهجومي بكسر الحصار الأميركي المفروض على لبنان وسورية، عبر استيراد المحروقات من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإعلان انطلاق السفن الإيرانية المحمّلة بالمحروقات باتجاه لبنان، وتوسيع المقاومة معادلاتها الردعية لتشمل السفن المحمّلة بالمشتقات النفطية من خلال تأكيد قائد المقاومة السيد حسن نصرالله بأنّ هذه السفن باتت منذ لحظة انطلاقها من الموانئ الإيرانية أرضاً لبنانية، وبالتالي فإنّ أيّ اعتداء عليها سيعتبر اعتداء على لبنان وسيُردّ عليه بالمثل.. وانّ هذا القرار الجريء والشجاع هو ما أجبر الإدارة الأميركية على التراجع عن قرارها بعدم السماح للبنان باستجرار الغاز المصري والكهرباء من الأردن عبر سورية.. على أنّ قرار المقاومة وتوسيع معادلاتها الرادعة، أدّى ويؤدّي إلى تحقيق جملة من الأهداف الهامة دفعة واحدة:
الهدف الأول، كسر واختراق الحصار المفروض على كلّ من سورية ولبنان، وبالتالي التأكيد انّ المقاومة التي حرّرت الأرض تستطيع كسر الحصار الأميركي وإحباط أهدافه…
الهدف الثاني، إنهاء القطيعة بين لبنان وسورية، والتي فرضتها واشنطن قبل عشر سنوات، اي منذ بدء الحرب الإرهابية الكونية التي شنتها الولايات المتحدة لإسقاط وتدمير الدولة الوطنية السورية المقاومة وإعادة تشكيل دولة على أسس من الطائفية والمذهبية والعرقية تكون تابعة وخاضعة لأميركا تنفذ سياساتها التي تخدم خططها الاستعمارية في المنطقة وكيان العدو الصهيوني. وإنهاء هذه القطيعة يأتي تتويجاً لفشل أهداف الحرب الإرهابية، وانتصارات سورية من جهة، ونجاح حزب الله المقاوم في إحباط المخطط اِلأميركي لغحداث انقلاب سياسي في لبنان بوساطة الحرب الاقتصادية.. الأمر الذي تجسّد بتراجع واشنطن عن الفيتو الذي وضعته على مشاركة حزب الله وحلفائه في حكومة من الاختصاصيين حاولت فرضها بعد اندلاع احتجاجات 17 تشرين الأول 2019، لكن دون جدوى.. وهو ما أكدته المعلومات الأخيرة عن تدخل أميركي فرنسي لإعطاء دفع لتشكيل الحكومة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي بالتفاهم مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ومشاركة كلّ الأحزاب الممثلة في البرلمان وفي مقدّمها حزب الله…
الهدف الثالث، إسقاط الفيتو الأميركي المفروض لمنع لبنان من شراء المشتقات النفطية من إيران، والتي سيؤدي وصولها، وتوزيعها بالأسعار الرسمية إلى تخفيف معاناة اللبنانيين، وتوجيه ضربة قوية للمحتكرين والسوق السوداء.. وبالتالي إسقاط أهداف الحملات المسمومة ضدّ المقاومة التي تشنها الولايات المتحدة بوساطة أدواتها السياسية والإعلامية.
الهدف الرابع، كشف حقيقة الدور الأميركي البشع في الوقوف وراء تفجير وتسعير الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون، وسعي واشنطن الى استغلالها لتحريضهم ضدّ مقاومتهم باتهامها زوراً بأنها السبب في هذه الازمات.. بغية محاصرة المقاومة ونزع سلاحها الذي يقلق كيان العدو الصهيوني، وفرض اتفاق لترسيم الحدود البحرية يمكن العدو من تحقيق أطماعه في ثروات لبنان من النفط والغاز..
الهدف الخامس، نجاح المقاومة في الانتقال من الدفاع إلى الهجوم لكسر الحصار الأميركي، والبرهنة للبنانيين جميعاً انها تستطيع إجبار واشنطن على التراجع أمام إرادة المقاومة ومعادلاتها الرادعة، وأنّ المقاومة تقدّم للبنانيين طريق الإنقاذ الحقيقي من أزماتهم ومعاناتهم، الذي يحفظ لهم كرامتهم واستقلالهم، وهو طريق التوجه شرقاً بدءاً من الانفتاح على سورية وتفعيل الاتفاقيات الأخوية َمعها وتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين، وبموازاة ذلك الانفتاح على إقامة علاقات التعاون الاقتصادي مع دول الشرق مثل الصين وروسيا وإيران والعراق، وهي الدول التي عرضت ولا تزال تنفيذ مشاريع، غير مشروطة، وفق نظام الـ BOT، تخرج لبنان من أزماته وتعيد له توازنه الاقتصادي والنقدي،، وأنّ إقامة مثل هذه العلاقات لا يعني القطيعة مع الغرب، بل على العكس فهي تحفز الغرب وتدفعه لمنافسة دول الشرق في تقديم عروض المساعدات والمشاريع غير المشروطة التي تصبّ في مصلحة النهوض بالاقتصاد اللبناني…
الهدف السادس، تكريس قناعة عامة لدى اللبنانيين بأنّ سورية ورغم ما تعرّضت له من طعنات من قبل بعض الأطراف اللبنانية التابعة لأميركا والغرب، فإنها لا تتوانى عن تلبية الطلب اللبناني بتقديم المساعدة للبنان، ولهذا فهي تعاملت بنبل وأخلاق قومية وعروبية في استقبال الوفد اللبناني الرسمي، وأكدت مجدّداً أنها الرئة التي يتنفس منها لبنان، وأنّ العلاقات المميّزة بين لبنان وسورية إنما هي محكومة بالتاريخ والجغرافيا وصلات القربى ووحدة المسار والمصير المشترك في مواجهة العدو الصهيوني الذي يحتلّ أجزاء غالية من اراضي البلدين في الجولان السوري وجنوب لبنان… وان هذه العلاقات المميّزة إنما هي أقوى من كل المؤامرات الأميركية والصهيونية..
خلاصة الكلام، يمكن القول إنّ الفضل الأول والأخير في كسر الحصار وإنهاء القطيعة بين لبنان وسورية، وتدشين طريق إخراج اللبنانيين من أزماتهم، إنما يعود إلى المقاومة وقرار سيدها الهجومي في المباشرة باستيراد المشتقات النفطية من إيران وفرض معادلات جديدة تحمي هذا الخيار، خيار التوجه شرقاً لإنقاذ لبنان من أزماته.. بما يؤكد الترابط بين معركة تحرير الأرض المحتلة، ومعركة التحرر الاقتصادي والانعتاق من كلّ أشكال التبعية الأجنبية والهيمنة الأميركية الغربية…