كعادتهم، انقسم اللبنانيون في رؤيتهم السياسية والعملية للزيارة التي قام بها وفد وزاري لبناني رسمي الى سوريا للبحث في موضوع استجرار الغاز والنفط من الاردن ومصر عبر سوريا. بعضهم اعتبر ان الزيارة اعطت غطاء رسمياً للسوريين وكسرت عنهم حصاراً سياسياً ودبلوماسياً دولياً مورس عليهم منذ نحو عقد من الزمن، فيما رأى البعض الآخر ان الامر طبيعي وكان يجب ان يحصل منذ فترة نظراً الى الملفات العالقة بين البلدين. وبين هذا وذاك، لا بد من الاشارة الى ان الزيارة بذاتها لم تكن قراراً اتخذه لبنان، بل اتى بـ"غض نظر" اميركي رسمي، اذ لم يكن من الممكن اطلاقاً القيام بمثلها وعلى هذا المستوى، لو لم يكن هناك ضوء اخضر اميركي، والا لكان التهديد بالويلات قد ملأ سماء لبنان وتفاقم الخلاف السياسي بين اللبنانيين ليصل الى مستوى خطير وربما التهديد بالمواجهات الامنية. ومن المعروف ان الاميركيين مهّدوا لعدم ممانعة هذه الزيارة من خلال اعلانهم عن اتصالاتهم مع الدول المعنية لمساعدة لبنان في مجال الطاقة، ومنعه من التطلع الى دول اخرى وفي مقدّمها ايران، لتسيير شؤونه اليومية وتعويض مشتقات النفط التي تشحّ يوماً بعد يوم، فضلاً عن استعدادهم لوقف العمل بـ"قانون قيصر" في هذا الشق.
المغالون في التفاؤل، ذهبوا الى حدّ الاعتقاد ان هذه الزيارة ستستمح للبنان بالعودة الى الساحة العربيّة كلاعب صاحب قرار، وان النتائج ستنسحب ايجاباً على الوضع اللبناني بكامله، اما المتشائمون فرأوا في الخطوة دعوة سوريا للعودة الى لبنان واستعادة الدور الذي لعبته خلال زمن "الوصاية" المقنّع. في الواقع، تدحض التحليلات والمتابعات وكلام العارفين بخفايا الامور من سياسيين ودبلوماسيين، كل هذا الكلام الايجابي والسلبي. فلا لبنان سيعود الى الساحة العربيّة كلاعب صاحب كلمة مسموعة، ولا سوريا ستعود الى لبنان لتستلم اموره بشكل كامل كما كان يحصل سابقاً، أو لتتحكم به بغطاء دولي. ولكن، لا شك ان العلاقات بين البلدين ستعود تدريجياً، والزيارة هي الخطوة الاولى في هذا الاتجاه، مع التشديد على ان الملفات والمواضيع العالقة بينهما لن يكون لهما حرية اتخاذ القرار بشأنها لانها ستبقى خاضعة لموافقات الدول الكبرى وبالدرجة الاولى الولايات المتحدة الاميركية وروسيا.
من هنا، يمكن القول ان عودة هذه العلاقات لن تشهد عودة النازحين السوريين الى سوريا، وهو الموضوع الحساس الذي يعاني منه لبنان وسوريا على حد سواء. ولم يعد ينطلي على احد ما يتم تسريبه من معطيات ومعلومات عن ان النازحين يتعرضون لضغوطات وعمليات ابادة اثر عودتهم، وذلك لانتفاء الاسباب السياسية (تم اعادة انتخاب بشار الاسد رئيساً واعترف به بشكل مباشر وغير مباشر كل القادة الدوليين)، كما ان الاسباب الامنية تنتفي كذلك بسبب الوجود العسكري الروسي في هذا البلد، والذي لن يسمح بعودة اندلاع الحرب. ولكن، على الرغم من ذلك، لا يعتبر موضوع عودة النازحين اولوية بالنسبة الى احد الا للبنان، وهو ما لا يؤمّن الدفع اللازم لوضعه على طاولة البحث، فملف النازحين في لبنان سيبقى معلقاً حتى بته بشكل كامل في كل الدول المحيطة، ولو ان لبنان يعاني اضعاف ما تعانيه الدول الاخرى من مشاكل مالية واقتصادية ومعيشية وسياسية وامنية... فكل ذلك قابل للانتظار، ولا حاجة دولية للاستعجال ببحث هذا الملف، في مقابل "ارضاء" اللبنانيين ببعض الخدمات الضرورية التي تعتبر من اسس تأمين العيش الكريم لاي مواطن في اي بلد، فأصبح من الممكن تمنين اللبنانيين بتأمين هذه الخدمات وعدم تعاطيهم بمسائل اخرى ولو كانت مهمة ومؤثرة، ومنها مسألة النازحين.