في مثل هذا الشهر من كل عام يستعد كل رؤساء وحكومات العالم للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في ثالث أسبوع من شهر أيلول، حيث يلتقون في اجتماعات رفيعة المستوى للتباحث في علاقاتهم، ورفع أصواتهم على أعلى المنابر العالمية حين يصيبهم ظلم من أي نوع كان. وفي كل عام تقرر المنظمة الدوليّة عناوين القمم والإجتماعات التي ستُبحث، وهي غالباً ما تكون أزمات عالميّة تعاني منها أغلبية الدول، فتحضر كل دولة لتشرح عن كيفية مواجهتها لهذه الأزمة.
في كل دورة للجمعيّة العامة ينطلق الوفد الرسمي اللبناني يقوده رئيس الجمهورية اللبنانية لالقاء كلمة لبنان، الا بعض الاستثناءات خلال فترات عصيبة كان يمرّ بها البلد.
من حيث العديد والفئات، كان الوفد اللبناني يختلف عن غيره من الوفود الدوليّة، لكنه يوازي وفد فرنسا او الولايات المتحدة. لكن الرئيس ميشال عون خفّض من عدد الوفد. لكنه بقي كبيرا مقارنة بالدول النامية التي لا تحضر أكثر من 25 شخصاً مؤلفا فقط من وزراء وخبراء. او الدول الخليجية التي تحمل الهدايا للأمم المتحدة وتصرف ملايين الدولارات لعقد شراكات دوليّة من خلال وفد لا يتعدى 17 شخصاً من ضمنهم خمسة وزراء، كما فعلت الكويت عام 2019 حين كانت عضواً في مجلس الأمن الدولي. أو الوفد السوري الذي خلّص نظامه من خلال مشاركته السنويّة بفريق مؤلف من أربعة أشخاص.
تابع المراقبون شكل مشاركة الوفد اللبناني في أعمال الجمعية عبر العقود، فلاحظوا ان نوعيتها تضخمت من حيث العدد والميزانية وتحجّمت من حيث مستوى اللقاءات الرسميّة ونتائجها. فمن وفد رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص المؤلف من ثلاثة أشخاص، وابنته الرابعة، التي أبى وقتها الا ان يسدّد فاتورة سفرها وإقامتها على نفقته لأن الدول اللبنانية غير مسؤولة عن تكاليف ضيوف لا دخل لهم بالمشاركة الرسمية... الى مشاركة وفود تصرف عليهم الحكومة اللبنانية سنوياً مئات آلاف الدولارات، والتي راحت تعقد اجتماعاتها مع دول كان من الممكن ان تُجريها عبر الهاتف او من خلال وزير سياحة او تجارة. ولفت نظر المراقبين ان أحد المسؤولين الكبار أدخل الى قمة خاصة بلبنان (دعت اليها فرنسا)، أفراد عائلته في حين بقي الاختصاصيون من الوزراء والإداريين يترقبون خارج القاعة نتائج الإجتماع، حسبما أسَرّ دبلوماسي "للنشرة".
"وطن الرسالة"، هكذا يتغنى لبنان بنفسه كل عام على المنابر الدولية، وهو لا يدري ان العالم بات يعرف ويهزأ من حكاية الطائفية التي مزّقت جسد الدولة اللبنانيّة بشكل لم يعد ينفع الترقيع فيها او المصالحة.
أطلقت الأمم المتحدة هذا العام أجندة الإجتماعات في الجمعية العامة، فدعت الى قمة المناخ في 23 من أيلول الجاري، وسبق عنوان القمة، تقرير خطير، صدر من شهر، حول التغيير المناخي ينذر بموت مئات الملايين من البشر جراء الجفاف الهاجم الى كوكبنا، ويشير الى أزمة المياه بين الدول، وطلب من الحكومات كافة، التوجه الى تنظيم خطط طارئة فاعلة لمواجهة تحديات المناخ القاتل لحماية شعوبها. لكن لبنان براء منها حتى اليوم، لأنه كان غارقًا في وحول عمليّة تأليف الحكومة الّتي استغرقت قرابة 13 شهرا. في وقت كان على الدولة اللبنانية ان تشارك في وفد في الأمم المتحدة مع دبلوماسيين ووزراء من مرتبة غسّان تويني وفؤاد بطرس وسهيل شماس، علّهم ينتشلون لبنان من مستنقع التجاذبات الدوليّة ويعيدون ثقة المجتمع الدولي به، لكن الموجود "لا يجود" بسبب عدم الخبرة وقد وصل الى السلطة نتيجة المحاصصة والوسائط.
في الوقت الذي لم يتخذ فيه رئيس الجمهورية بعد قراره، حتى كتابة هذه السطور، بشأن مشاركته في أعمال الجمعيّة، وقد علمت "النشرة" ان وزيرة الخارجية السابقة كانت قد أبرقت الى نيويورك تسأل عن جدول الإجتماعات وعن كيفية مشاركتها في دورة الـ76 للجمعية العامة.
ويحضر السؤال، ماذ سيقول لبنان في كلمته هذا العام في الأمم المتحدة، بماذا سيجيب عن سؤال حول كيفية مواجهته لكوارث المناخ المحدقة، وهو لا يملك طائرة لإطفاء حريق، طارحاً الصوت في كل موجة على الدول المجاورة مستعيناً بطائراتهم وخبراتهم؟!. ماذا سيقول عن خطط الإنقاذ في أوقات الكوارث التي يسمع بها الشعب منذ عقود ولكنه لا يرى منها شيئاً؟! بماذا سيجيب فيما لو سئل عن سير التحقيق في انفجار مرفأ بيروت؟! أو عن انهيار العملة والشعب الجائع؟! عن فقدان الأدوية والدولة العاجزة عن تأمينها، وهو يموت يومياً في المستشفيات بسبب عدم تأمين المحروقات؟!.
كيف سيواجه لبنان أمين عام الأمم المتحدة بعدما انتظرت الخارجيّة اللبنانية ثلاثة أسابيع كي تحظى بدقيقتين من وقت أنطونيو غوتيريش، لتبارك له عبر الهاتف عمليّة التجديد له لدورة ثانية.
وأخيراً ينصح المراقبون الدوليّون ان يتمثل لبنان في الجمعية العامة بأهالي شهداء المرفأ، لأن دموعهم وصلت الى أبواب المنظمة الدوليّة، حسبما قال مسؤول دبلوماسي كبير. فكيف لوفد ان يمثل لبنان، والمجتمع الدولي على شفير ان يُسقط عنه صفة "دولة" ، بعدما بات الأول في التراجع عالمياً.