في تقرير لافت نشر في صحيفة «واشنطن فري بيكون» الأميركية عن مصادر رفيعة في الكونغرس الأميركي قولها إنه من المتوقع أن إدارة جو بايدن ستجد نفسها مضطرة لاتخاذ قرار برفع جزء من العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، وذلك لتسهيل صفقة استجرار الطاقة إلى لبنان عبر مصر والأردن.
وأشارت مصادر الكونغرس إلى أن إدارة بايدن قررت بالفعل التنازل عن أجزاء من عقوبات «قانون قيصر»، الأميركي لتسهيل صفقة الطاقة مع الدول العربية الأمر الذي من شأنه أن يوفر لسورية شريان حياة مالياً واقتصادياً وسياسياً.
وأوضحت الصحيفة أن منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط وشمال إفريقيا «بريت ماكغورك» يضغط على مصر لبيع الغاز إلى لبنان عبر خط أنابيب يمتد عبر سورية، وأنه من أجل إتمام الصفقة سيتعين علينا التنازل عن العقوبات الرئيسية المفروضة على سورية.
وقالت الصحيفة إن بايدن والنواب الديمقراطيين في الكونغرس أبدوا استعدادهم لدعم قرار تخفيف العقوبات عن سورية لكن النواب الجمهوريين يرون أن رفع العقوبات سيشجع حلفاء سورية الإيرانيين وحزب اللـه اللبناني، الذي سيرى نفسه منتصراً في هذه الصفقة مضيفةً أن الرفع الجزئي للعقوبات سيخفف القيود المفروضة على الدول الثلاث المعنية، سورية وإيران ولبنان.
يأتي هذا التغيير في السلوك الأميركي تجاه سورية في أعقاب قرار الأمين العام لحزب اللـه باستجلاب بالمشتقات النفطية من إيران إلى لبنان عبر الموانئ السورية كاسراً بذلك العقوبات الأميركية الأحادية المفروضة ليس على لبنان فقط إنما على كل من لبنان وسورية وإيران.
إذاً قرار قيادة حزب اللـه بأبعاده الإستراتيجية المثلثة الأضلع فعل فعله من قبل وصول النفط الإيراني ما دفع سفيرة الولايات المتحدة في لبنان دوررثي شيا إلى الإسراع بإبلاغ السلطات اللبنانية السماح الأميركي بإعادة تفعيل اتفاقية قديمة جديدة باستيراد الغاز المصري واستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر الأراضي السورية ما يعني عملياً تعليق العمل «بقانون قيصر» الأميركي المفروض على سورية.
تبع ذلك زيارة وفد رفيع من مجلس الشيوخ الأميركي برئاسة رئيس اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط في المجلس السيناتور كريس مورفي وذلك لإبلاغ المسؤولين اللبنانيين بقرار الإدارة الأميركية السماح بإرسال وفد وزاري لبناني رفيع إلى دمشق لإتمام المشروع عينه وبالتفاوض مع الجهات السورية المختصة بهدف الاستغناء عن النفط الإيراني.
وبتسهيل أميركي حصل اجتماع رباعي عقد في العاصمة الأردنية عمان ضم كلاً من وزراء الطاقة المصري والأردني والسوري واللبناني وضع اللمسات الأخيرة لتنفيذ مشروع جر الغاز والكهرباء إلى لبنان وما إعلان وزير النفط السوري بسام طعمه عن جهوزية خط نقل الغاز السوري لنقل الغاز المصري إلى لبنان مقابل حصول سورية على حصة من الغاز المصري والكهرباء الأردنية وبموافقة الجميع إلا ترجمة للبدء برفع العقوبات عن سورية وإن كانت بالتدرج.
أميركا لم تزل تلملم آثار الخيبة المذلة جراء الانسحاب الأميركي من أفغانستان معلنة بذلك انتهاء حقبة أميركية رسمتها للمنطقة ما بعد إحداث سقوط برجي التجارة العالمية في نيويورك في 2001.
إذاً المنطقة مقبلة على تحولات ومتغيرات إستراتيجية ستترجم تباعاً ومن المؤشرات الدالة على المتغيرات المقبلة هو بلوغ أميركا أعلى قمة في سلم السطوة على المنطقة ما بعد 2001 بدءا باحتلال أفغانستان ثم اجتياح العراق في 2003. ثم عبر حرب لبنان 2006.
ولا ننسى المحاولة الأميركية لترتيب شرق أوسط جديد بما يتناسب وقياس العدو الإسرائيلي عبر ما سمي بالربيع العربي وتولي حركات الإسلام السياسي زمام الأمور في المنطقة تمهيداً لإبرام سلام وتطبيع مذل مع العدو الصهيوني.
ها هي أميركا العظمى وبعد عشرين سنة من السطوة والسيطرة الأحادية على المنطقة آخذة بتنفيذ الهبوط الآمن تمهيداً للانكفاء نحو الداخل الأميركي المنهك والتوجه نحو المواجهة المرتقبة مع الصين وروسيا وإيران.
تشير المعلومات الواردة من واشنطن بوجود نية أميركية لتكرار سيناريو الانسحاب من أفغانستان في كل من العراق وشرق الجزيرة في سورية ما يشير إلى مقاربة أميركية جديدة مختلفة تمهد للبدء بالنزول من أعلى قمة في السلم وأفول زمن فيلم رامبو الأميركي بعد عرض سينمائي استمر لأكثر من عقدين من الزمن وهذا دليل على إخفاق كل المشاريع الأميركية التي تعاقبت على المنطقة واعتراف بنجاح إستراتيجية الصمود في سورية ولبنان وإيران واليمن والعراق.
ومن العوامل والمؤشرات الدالة على المتغيرات القادمة على المنطقة وسورية:
*سقوط مشروع الإسلام السياسي وانهزام حزب العدالة والتنمية الإخواني في تونس والمغرب ومصر وليبيا والسودان مع تراجع ملحوظ في تركيا.
*إعادة الحياة لخط الترانزيت بين الأردن وسورية بعد نجاح الجيش العربي السوري بتحرير درعا من الجيب الإسرائيلي.
*طلب ميليشيا قسد من روسيا التوسط للوصول إلى تسوية شاملة مع الحكومة السورية ما يعني ضمناً تبخر الدعم الأميركي وتوقع انسحابه من شرق الجزيرة السورية.
*تصريح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في قمة بغداد الأخيرة قائلاً علينا التعامل مع الواقع في سورية اعترافاً منه ومن أميركا بأن سورية قد فرضت على الجميع حتمية الاعتراف بدورها المفصلي.
*السماح الأميركي للعراق بتوقيع صفقة مع شركة توتال الفرنسية لبناء 4 مشروعات للطاقة بقيمة 27 مليار دولار وهذا حكماً سينسحب فرنسياً على سورية فيما كانت أميركا ولعقود سابقة ترفض أي مشاركة أوروبية في العراق.
*زيارة رئيس الوزراء العراقي الكاظمي إلى إيران لما لها وما عليها فيما أميركا كانت في السابق تمنع التواصل بين البلدين على المستوى الرسمي.
*الإعلان عن جولة مفاوضات رابعة إيرانية سعودية بناءة في العراق وبموافقة أميركية ضمنية.
*سحب معظم بطاريات الدفاعات الجوية الأميركية من السعودية رغم استمرار الهجمات الحوثية على المملكة.
*نجاح زيارة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي إلى طهران والإعلان عن الاتفاق مع الجانب الإيراني لإعادة تركيب الكاميرات في إشارة واضحة إلى حصول حلحلة في ملف المفاوضات المنتظرة في فيينا بين إيران وأميركا.
*الإفراج الأميركي عن قرار تشكيل الحكومة اللبنانية وإعلان الرئيس ميقاتي عن اتصال مع الجهات المختصة في دولة الكويت لإعادة إحياء قرض الكهرباء وإعادة العلاقات العربية فيما كانت أميركا تقف عائقاً أمام حصول لبنان على أي مساعدات أو قروض من دول الخليج.
تبقى الأرض والجغرافية هي الحقيقة الثابتة أما حقيقة صنع التاريخ والتحولات الكبرى يكمن في صمود الشعب المؤمن بوطنه والملتصق بأرضه مهما جار المعتدي فالويل لكل من تجاهل الحقيقة الكامنة في مثلث الأرض والشعب والتاريخ.