مع بدء المرحلة الثانية من مسار الملف الحكومي الذي انتهت مرحلته الاولى بتوقيع مراسيم التشكيل، تتبادر الى الاذهان فورا مسألة أخرى مهمة وعلى كل شفة ولسان وهي: هل ستنجح الحكومة فعلاً؟ في الواقع، الجواب على هذا السؤال سيكون سهلاً، ولا يحتاج الى الاستعانة "بصديق" او بمحللين ومنجّمين، وهو بكل بساطة: نعم. اما تفسير هذا الجواب فموضوع آخر يحتاج الى توضيح بعض النقاط البسيطة. من الناحية الداخلية، ستحظى الحكومة بثقة وازنة في مجلس النواب، وبغطاء مسيحي بذل النائب سعد الحريري جهداً كبيراً ليناله الا انه اصطدم بـ"فيتو" النائب جبران باسيل الذي سقط مع توقيع مراسيم هذه الحكومة، وهذه الثقة العارمة من مجلس النواب ستكسب الحكومة دفعاً معنوياً وشكلياً مطلوباً من الخارج تمهيداً لمرحلة ما بعد التشكيل والثقة، أي مرحلة التنفيذ والتطبيق.
من المنطقي ان الحكومة نجحت داخلياً، ليس بفعل الارادة الوطنية او برنامج عملها، بل بفعل التسويات التي أدّت الى ولادتها والتي نالت بركة دوليّة عارمة بما فيها "غضّ طرف" اميركي كان له الاثر الاهم في إبصارها النور. هذا المعيار الوحيد الذي كان يمكن الاعتماد عليه في ما خص الوضع الداخلي، وعلى الرغم من وجود حملات ممّن بقوا خارج الحكومة، الا ان الغالبية شاركت فيها وحصلت على ما تريده، ولا ذريعة بالتالي للوقوف في وجهها. اما معيار النجاح خارجياً، وفي مواجهة المشاكل العديدة والويلات التي تحتاج الى حلول ملموسة، فيجب اعتماد معيار آخر اكثر فاعلية، وهو ميزان المصالح الدوليّة. لن تفشل الحكومة في مسعاها، ومرة جديدة نقول، ليس بسبب الكفاءات والاختصاصات والبيان الوزاري والبرنامج الفريد الذي كان من الواجب وضعه، بل لأن الخريطة موضوعة سلفاً، وقد ولدت هذه الحكومة من اجل الشكليات، اي لتوافق بشكل قانوني وشرعي على البرنامج والخطّة الموضوعين منذ سنوات من قبل البنك الدولي وصندوق النقد وبعض الدول الكبرى المؤثرة في احداث المنطقة، بعد ان تبلورت الصورة وباتت اكثر وضوحاً. فكيف للحكومة أن تفشل وهي التي ستوافق على كل ما سيعطى لها في مايسمى "مفاوضات"، فيما الواقع ان ايًاً مما هو مكتوب بأقلام الخارج لن يتغيّر. وكيف لهذه الحكومة ان تفشل، فيما بقيت الجهود لاكثر من سنة لايجاد اشخاص من اصحاب الكفاءة والاختصاص غير المنتمين، مباشرة او غير مباشرة، للاحزاب والتيارات السياسية؟ وكيف للحكومة ان تفشل، فيما اقل بصيص امل سيكون بمثابة انجاز نظراً الى الوضع المأساوي غير المسبوق الذي يعيشه اللبنانيون على الصعد كافة؟ ان كل تقدم ولو بمقدار خطوة قليلة، سيشكل حدثاً مهماً وقد يترافق مع احتفالات؟ وكيف لهذه الحكومة ان تفشل اذا قدّر لها ان تحظى بكل التسهيلات الدولية الكفيلة بتأمين مظلّة لها، بدءاً من الاستثناءات من قانون قيصر، مروراً بعدم ممانعة وصول النفط الايراني الى لبنان عبر سوريا، وصولاً الى فتح الابواب امام وصول المليارات من الدولارات بشكل او بآخر الى الاسواق (ماليّة كانت ام استثماريّة ام اسواق العمل...)؟ وكيف للحكومة ان تفشل فيما لن تتطرق الى موضوع حزب الله وسلاحه، والى "الغوص" في موضوع التدقيق المالي الجنائي، والى ملف حاكم مصرف لبنان والمصارف، والى استعادة الاموال المنهوبة والمهرّبة، والى موضوع عودة النازحين السوريين الى بلادهم... وهي المواضيع الخلافية الابرز التي تدفع اللبنانيين الى الانقسام؟.
ليس هناك من معيار واحد لنجاح الحكومة، ولكن الاكيد ان النتيجة ستكون النجاح لانّ الانتخابات النيابية معلّقة بهذا النجاح، وهو مطلب غربي بدا انه الثابت الوحيد في المتغيرات العديدة التي طرأت على مواقف الدول الخارجيّة، اما مقدار هذا النجاح، فيتوقف على الظروف المحيطة بالتطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، وقد تكون كبيرة او صغيرة، الا انها تبقى افضل مما هو الحال عليه اليوم.