إذا صدقت الوُعود بإجراء الإنتخابات النيابيّة في أيّار المُقبل، فهذا يعني أنّ "عُمر" الحُكومة الجديدة المُفترض لا يتجاوز الثمانية أشهر في أفضل الأحوال. فهل سيُسمح لهذه الحُكومة بالعمل وبالإنتاج، من قبل الجهات الداخليّة المُختلفة، وكذلك من قبل الجهات الخارجيّة؟
على المُستوى الداخلي، تحظى الحُكومة بغطاء سياسي جيّد من قبل مجموعة مُنوّعة من القوى السياسيّة، الأمر الذي يُخوّلها نيل الثقة، لكن من دون أن يكون الأمر عبارة عن إجماع واسع، ولا عبارة عن "ورقة بيضاء" تسمح لها بالعمل بحريّة. وإذا كانت بعض الأطراف ستُعلن سريعًا مُعارضتها للحُكومة، فإنّ أطرافًا أخرى ستتمهّل قليلاً، لإعطاء فترة سماح للحكومة من حيث الشكل، علمًا أنّه في المَضمون الهدف هو الإقتراب أكثر من موعد الإنتخابات، ليكون لفعل المُعارضة إنعكاسات أكبر على عمليّات تصويت الناخبين.
وفي التفاصيل، إنّ "حزب الله" مع دعم الحُكومة لتهدئة الأوضاع داخليًا، بينما حزب "القوات" لن يمنحها الثقة لإعتبارات مبدئيّة سبق وأن أعلن عنها مرارًا في المرحلة الأخيرة. والأحزاب مثل "أمل" و"القومي" و"المردة" ستتعاطى معها إنطلاقًا من توجيهات "الحزب" أوّلاً، ومن مُنطلق المصلحة المُشتركة ثانيًا. وفي ما خصّ الحزب "الإشتراكي" فهو لن يكون بعيدًا عن تفاهمه مع "حركة أمل"، وعن تنسيقه مع رئيسها في أكثر من ملفّ داخلي. أمّا "التيّار الوطني الحُر"، فعلى الرغم من إصراره على التنصّل من التدخّل في تأليف الحُكومة، ومن الإعتراف بحصّة له فيها، لترك هامش مُعارضة له عشيّة الإنتخابات النيابيّة، إلا أنّ مصلحته تقضي بإنجاح ما تبقى من العهد الرئاسي للعماد ميشال عون، وهو ما لا يُمكن أن يحصل من دون نجاح الحُكومة الرابعة والأرجح الأخيرة في هذا العهد. ولا شكّ أنّ حزبي "الطاشناق" و"الديمقراطي" سيُؤيّدان الحُكومة، وسيتناغمان مع قراراتها إنطلاقًا من مُشاركتهما فيها ومن تأييدهما للعهد بشكل عام. وبالنسبة إلى "تيّار المُستقبل" فعلى الأرجح أنه سيمنح الحُكومة فترة زمنيّة لا بأس بها، إنطلاقًا من تنسيقه مع رئيسها نجيب ميقاتي ومن عدم رغبته بمُعارضته، لكن من الضروري الإشارة إلى أنّ دعم "المُستقبل" للحكومة لن يكون مَفتوحًا، لأنّ "التيّار الأزرق" يُخطط لخوض الإنتخابات من موقع المُعارض للعهد الرئاسي، ولن يكون مُطلقًا، بل بناء على كل ملفّ على حدة، حيث يضع "المُستقبل" خطوطًا حمراء سيُدافع بشراسة عنها، في حال لم يقم رئيس الحُكومة بهذه المهمّة بنفسه.
بالإنتقال إلى الغطاء الخارجي، إنّ الدعم الفرنسي للحُكومة حاضر إنطلاقًا من الرغبة في الحفاظ على لبنان، ومنع سُقوطه، بالتنسيق مع قوى إقليميّة وازنة صار لها تأثير مُباشر على الساحة الداخليّة اللبنانيّة، وفي طليعتها إيران. والهم الغربي بشكل عام، يقضي بأن يتمّ تنظيم الإستحقاقات الإنتخابيّة المُقبلة، خاصة النيابيّة والرئاسيّة منها، في موعدها، بالتزامن مع توفير حدّ أدنى من الدعم للشعب اللبناني للوُصول إلى هذه الإستحقاقات، وبالتالي إعادة تشكيل السُلطة. وليس بسرّ أنّ الولايات المُتحدة الأميركيّة التي تواجه دور "حزب الله" في لبنان، والتي تتحفّظ على تناغم العديد من القوى والأحزاب في السُلطة حاليًا مع هذا الدور، لم تُمانع في إعادة فتح أبواب تواصل غير مُباشرة مع سوريا، لتعزيز قُدرة لبنان على الصُمود أمام الأزمات التي يُواجهها. وبالتالي، سيتمّ التعامل مع الحُكومة، كسُلطة إنتقاليّة دورها إدارة شؤون الدولة والناس بالحد الأدنى، وُصولاً إلى إتمام الإنتخابات.
وبالنسبة إلى الغطاء العربي للحُكومة، وتحديدًا الغطاء السُعودي، فهو غير مُتوفّر حتى اللحظة، علمًا أنّ رئيس الحُكومة نجيب ميقاتي يأمل أن يتمكّن في المُستقبل القريب من إعادة وصل ما إنقطع مع الدُول العربيّة، وبخاصة مع الدول الخليجيّة، لكنّ مهمّته لن تكون سهلة، خاصة وأنّ أحدًا لن يمدّ يد العون لسُلطة مَحدودة الأفق الزمني، حيث يُتوقّع أن يتمّ تأجيل قرارات المُساعدة من عدمها إلى ما بعد الإستحقاقات الإنتخابيّة على الساحة اللبنانيّة. وفي الإنتظار، سيتمّ التعامل مع الموضوع على القطعة، مع إحتمال إرسال مُساعدات محدودة لتمكين اللبنانيّين من الصُمود لبضعة أشهر إضافيّة لا أكثر.
وليس بسرّ أنّ دولاً عدّة عربيّة ودَوليّة تنتظر ما سيحدث من تطوّرات في المنطقة خلال الأشهر القليلة المُقبلة، لتبني على الشيء مُقتضاه. وبطبيعة الحال، إنّ هذه التطوّرات غير المُنفصلة عن الصراعات الإقليميّة – الدوليّة، ستكون لها إرتداداتها داخل لبنان، إن إيجابًا أم سلبًا.
في الختام، على الأرجح أنّ الحكومة الجديدة ستنال فرصة للعمل، لكنّ ضيق الوقت هو مُشكلتها الأساسيّة، وعدم الرغبة بدعمها بشكل كامل يُشكّل مُشكلة ثانية لا تقلّ أهميّة، لأنّها بكل بساطة حُكومة إنتقالية في إنتظار إعادة تشكيل السُلطة في لبنان، ليُبنى على الشيء مُقتضاه.