ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها الرئيسان فلاديمير بوتين وبشار الأسد خلال الحرب الكونية على سورية، فقد سبق وعقد الرئيسان أكثر من اجتماع ولقاء في سورية أو روسيا، اكتست بأهمية تتصل بالمناسبة والظرف الذي أملاها، لكن هذه القمة التي عقدت ليل 12 أيلول/ سبتمبر 2021 اكتست أهمية خاصة تميّزها عما سبقها نظراً لخاصية الظروف التي انعقدت في ظلها وطبيعة المواضيع التي تناولتها في ظل بيئة دولية وإقليمية متغيرة وعلى وقع أحداث وقعت، واستباقاً لاستحقاقات ومواقف تنتظر ذات بعد استراتيجي من الطبيعتين السياسية والاقتصادية، فضلاً عن الطبيعة الخاصة التي تميّز العلاقات الروسية- السورية في المجال العسكري قديماً في عهد الاتحاد السوفياتي أو حديثاً في ظلّ روسيا الاتحادية، التي أرسلت جندها فقاتلوا الإرهاب إلى جانب الجند السوري وفي خندق واحد منذ خريف العام 2015.
قد عقدت القمة هذه بعد الانسحاب الأميركي/ الأطلسي من أفغانستان وعودة هذه الدولة إلى يد «طالبان» لتقيم فيها «حكومة إسلامية»، وفقاً لفهمها الخاص للدين الإسلامي، وفي ظلّ تحضيرات أميركية لتغيير طبيعة الوجود العسكري الأميركي في العراق ونقله من المهمة القتالية العملانية إلى مهمة يقال عنها إنها مهمة تدريب القوى المسلحة العراقية لمواجهة التحديات المختلفة المتشابكة، كما أنها تعقد متزامنة مع مراجعة أميركا لوجودها في السعودية مع ما استتبع من سحب بطاريات الباتريوت وجعل المملكة تستعدّ للتحرك نحو قوى أخرى ومنها روسيا لتأتي بالبديل عبر شراء الـ «س 400».
أما على اتجاه المشهد السوري فقد عُقدت القمة بعد نجاح الحكومة في تنظيم انتخابات رئاسية جدّدت للرئيس بشار الأسد لولاية رابعة وبأكثرية ساحقة جعلت الرئيس بوتين ينوّه بها ويقول للرئيس الأسد «شعبك يثق بك» ويعوّل عليك لإعادة الحياة إلى طبيعتها، في رسالة حازمة يوجهها لكلّ من يعتدي ويطعن بموقع الرئيس، قمة تنعقد أيضاً بعد النجاح السوري الكبير في تسوية وضع درعا ومعالجة ملف المنطقة التي انطلقت منها الفتنة التي أسميت «ثورة»، وجاءت التسوية الجديدة في عام 2021 لتقضي على أحلام «إسرائيل» في المنطقة، التي عادت الآن إلى كنف الدولة وترفع علمها الوطني في ظلّ اتفاق تصالحي حاسم سيكون نموذجاً لتسويات لاحقة ولمعالجات الغد على أيّ أرض سورية لا زالت خارج اليد الشرعية السورية.
أما الأهمّ في الظروف تلك فهو ما يتصل بمسألة الاحتلال التركي لشمال غربي سورية الراعي للإرهاب التكفيري والاحتلال الأميركي الراعي للحالة الانفصالية الكردية في الشمال الشرقي، مع ارتفاع الهمس حول مستقبل هذا الوجود الذي يتردّد أنّ أميركا ستعيد النظر فيه قبل نهاية العام.
على ضوء ما تقدّم عُقدت قمة الرئيسين السوري والروسي لتدارس الوضع والتخطيط لمرحلة جديدة تشتمل على مواضيع أساسية تعني الشأن السوري، بدءاً باستكمال تحرير الأرض وتطهيرها من الإرهاب والتخلص من الاحتلال، يليها العودة بسورية إلى حياتها الطبيعية مع عودة اللاجئين وإطلاق إعادة الإعمار، فضلاً عن الحث على السير قدماً في العملية السياسية التي ما زلت تتعثر بسبب تعنّت الأطراف المعادية للدولة وتمسك رعاتهم الدوليين بما ليس لهم حق به. ولروسيا في كلّ هذه المسائل دور ويد، سواء كانت المساعدة في الميدان عسكرياً أو كانت في السياسة والاقتصاد توسطاً أو تسهيلاً أو دعماً واستثماراً.
ولهذا نقول إنّ الرئيسين وعلى مدار أكثر من ساعتين منفردين أو بحضور الوفود واجهوا مقتضيات المرحلة الجديدة في سورية وناقشوا أبعادها وما ينبغي فعله فخططوا له، وهي المرحلة التي ستنطلق بعد قمة الرئيسين حيث توضع فيها الملفات على النار المناسبة وتحرك باليد التي تستلزمها طبيعة الأشياء على الوجه التالي::
١ـ على صعيد مواجهة الاحتلال… كان واضحاً ما ذكره الرئيس بوتين لجهة عدم شرعية الوجود الأجنبي على الأرض السورية إن لم يكن بطلب أو قبول من الحكومة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد الذي جدّد الشعب الثقة الكاملة به قائداً يقود سورية إلى بر الأمان. وهذا الموقف يبعث برسالة بليغة إلى أميركا وتركيا لتقول لهما بأنه حان الوقت للخروج من سورية. وهنا يفهم بأنّ روسيا ستكون إلى جانب سورية لوضع حدّ لهذا الاحتلال المزدوج.
ومن هنا أيضاً يفهم اللقاء الذي أعقب القمة والذي جمع مبعوث الرئيس الأميركي ومسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فريشنين، والمبعوث الرئاسي ألكسندر لافرنتييف، للبحث بهذا الأمر ويعتقد بأن الرسالة السورية- الروسية المشتركة إلى أميركا تتضمّن القول: عليكم وضع حد لوجود غير مشروع، فإما الخروج الأمن مع حفظ ماء الوجه أو الخروج بالقوة على يد المقاومة التي باتت جاهزة وفاعلة لتحرير الأرض وبسط السيادة.
أما التركي فعليه أن يعلم بأنّ ما تساهلت به روسيا سابقاً لن يعمل به لاحقاً، وأنّ هناك مرحلة جديدة ينبغي أن يتحضر لها أردوغان، وهي المواجهة الفعلية في الميدان لإخراجه قسراً إن لم يتخذ القرار الذاتي باحترام وحدة الأراضي السورية والسيادة عليها.
٢ـ أما على صعيد مكافحة الإرهاب فقد كان واضحاً تركيز الرئيسين على استكمال المهمة وتطهير الأرض من الإرهاب المتبقي على الأرض السورية بخاصة في إدلب ومحيطها، وهو إرهاب تكفيري برعاية الاحتلال التركي وحالة انفصالية إرهابية كردية في الشمال الشرقي برعاية الاحتلال الأميركي، وكلا الحالين وضعا على لائحة المعالجة السورية والتي كما يبدو من الميدان وما فيه من تحشيد عسكري متسارع سيكون ملف إدلب متقدّماً على ما سواه وفقاً لخطة عمل يبدو أنها ستكون على مراحل تبدأ بتطهير جنوب طريق اللاذقية حلب سريعاً يليها تفكيك الجماعات الإرهابية وإخراجها من الميدان.
٣ـ وعلى الصعيد الاقتصادي والإنساني وإعادة الإعمار يبدو مما تمّ إعلانه أو تسريبه بأنّ هناك جهداً روسياً ـ سورياً مشتركاً وبشكل مكثف لاستعادة النازحين وإطلاق عملية إعادة الإعمار ومعالجة آثار العدوان والإرهاب. إعادة بناء لن يوقفها قانون قيصر ولا العقوبات الأميركية الأخرى، بخاصة بعد ما شهدته المنطقة من تحوّل من العنوان اللبناني حيث كسر الحصار الأميركي جزئياً على لبنان وسورية وإيران من باب استيراد المقاومة في لبنان للنفط الإيراني عبر سورية أو من باب استجرار الغاز والكهرباء إلى لبنان من الأردن ومصر عبر سورية.
٤ـ يبقى على الصعيد السياسي، وعلى رغم أن هذا الملف لا ينافس في الأولوية الملفات الثلاثة المتقدمة، فإنّ الرئيسين أعطياه ما يستحق من اهتمام مع علمهما بأنّ من يعرقل العملية السياسية المنظمة بموجب القرار 2254 هم أنفسهم من شاركوا بالعدوان على سورية وفشلوا في تحقيق أهدافهم ويحاولون الآن أن يعوّضوا فشلهم في الميدان بإنجاز ما في السياسة، وهذا أمر لن يتمّ مهما حاولوا أو بذلوا من جهود.
وفي الخلاصة نقول إنّ القمة أكدت بأنّ سورية دخلت بعد كلّ الإنجازات التي حققتها في إطار الحرب الدفاعية الكبرى التي خاضتها في مواجهة الحرب الكونية، أن سورية دخلت المرحلة النهائية من مراحل الدفاع من أجل استعادة الوضع الطبيعي وأنّ قمة الرئيسين بوتين ـ الأسد كانت من أجل تخطيط وتنسيق الجهود التي تقتضيها هذه المرحلة، وكانت القمة قمة منتصرين يبحثان في استكمال عناصر الانتصار وتطوير وتسريع أعمال الدفاع والعمل المشترك للعودة إلى الوضع الطبيعي في سورية، في ظل انكفاء المعتدي وإعادة انتشاره بشكل يشهد على صاحبه بأنه هزم في عدوانه على سورية ومحور المقاومة وحلفائهم وفي طليعتهم الحليف الروسي الذي احتلّ في العالم الآن ومن المسار السوري مقعداً دولياً متقدّماً في الصف الأول لن تقوى أميركا إزاحته عنه مرة أخرى.