لفت متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس إلى ان "مجتمعنا يعاني كثيرا من جهة العائلة، إذ يكون صليب العائلة ثقيلا على البعض فلا يستطيعون حمله، لأنهم يكونون مجبرين على نبذ الأنا، ويختارون تركه وهدم الشركة العائلية بحثا عن الراحة الشخصية. كل إنسان هو شخص فريد لا يتكرر وجوده، ولديه تاريخه الخاص وتراثه. اجتماع شخصين بالزواج هو تصادم عضوي لتراثين مختلفين. عادة، عندما يفقد الزوجان حماستهما الخارجية الأولى، ويعبر الزواج إلى مرحلة أعمق، تظهر خلافات وانشقاقات تتطلب نضوجا كبيرا ليتخطياها. الكنيسة، من خلال نعمة سر الزواج وتعليمها، المعبر عنهما في طقس الزواج، تمنح الزوجين مساعدة جوهرية. لا تفحص الأمور وكأن كلا من الزوجين هو مركز كل شيء، لذلك تعطي أكثر من مخرج حيث يرى المنطق البشري مأزقا. الكنيسة تشق العلاقة الثنائية للزوجين وتجعلها ثلاثية، لأن المصلحة الشخصية دائما تتدخل بين الإثنين، لكن عندما تضفي الكنيسة بعدا روحيا على العلاقة بين الزوجين، عندئذ تأخذ العلاقة مضمونا آخر، فتكتسب اتجاها روحيا. لا يبقى مرجع ارتباط الاثنين في شخصيهما ولا في علاقتهما، بل في الشركة مع الكنيسة، وسر الشكر أي مع المسيح. في سر الزواج، تتقوى علاقة الزوجين ضمن الشركة مع الكنيسة، ويكون هدفها كمال الزوجين في المسيح، وتجاوز التركيز الشخصي، والتمرس في المحبة. الزواج ليس أمرا سهلا ولا مجرد عقد قانوني، بل هو نير وسر عظيم، يتطلب صلبا، ويحتاج حمل الصليب بقوة نعمة الله. وإذا كانت علاقة الزوجين الحقيقية صليبا، فالصليب يصير أثقل عند ولادة الأولاد".
وأضاف: "إذا أراد الأهل أن يكون أبناؤهم فاضلين، عليهم أن يدركوا أن الأولاد يتمثلون بسيرة حياتهم. المحبة والصدق أساسيان في التربية، والصليب الذي يحمله الأهل في التربية هو التضحية وإقران القول بالفعل، على حسب قول الرب: من عمل وعلم يدعى عظيما في ملكوت السماوات (مت 5: 19). على الأهل أن يعرفوا أن الأولاد ليسوا ملكا لهم، بل هم أشخاص أحرار، يخصون الله، وينبغي أن ينموا علاقتهم الشخصية به، كما أنهم يخصون المجتمع والكنيسة، والأهل مؤتمنون عليهم. لذا، مهمة الأهل هي مساعدة الأولاد في المحافظة على صورة الله فيهم طاهرة، وفي التقدم إلى ما هو على مثال الله. أيضا، على الأهل أن يعطوا الأولاد إمكانية اكتساب علاقات صحيحة بالكنيسة، وهذا يحصل إن عاشوا هم أولا في الكنيسة بشكل صحيح. اليوم، جل ما يسمعه الأولاد في المنازل هو الكلام البطال النابع من خبرات قد لا تكون إيجابية، ومن الكبرياء والحقد والحسد وما شابه. فبدلا من العيش بعيدا من الفضائل، يمكن للأهل أن يحملوا صليب التواضع ويصلوا بخشوع جاعلين من بيتهم كنيسة صغيرة. الأولاد ليسوا أصناما أو ملكا لأحد. البعض يجعلون من أبنائهم مركزا لحياتهم، إلى درجة الإحاطة بهم بشكل مبالغ به، الأمر الذي يمنع نضوجهم الروحي والنفسي. مرارا كثيرة يأتي هذا نتيجة فشل الزوجين في علاقتهما، فيتحولان نحو الأولاد لملء فراغهما العاطفي، وهذا يؤذي صحة الأولاد النفسية. إذا، العائلة يجب أن تكون محلا للشهادة الطوعية، وصلبا لحب الذات، وعيشا لإنجيل السلام. حينئذ تصبح مسكنا للمحبة والحرية والرحمة والتفاني والنمو الطبيعي. عليها أن تكون طريقا إلى المشاركة في صليب المسيح الذي منه ينبع الغفران والقيامة للعالم أجمع".
من جهة أخرى، اعتبر ان "ما نشهده في بلدنا هو طغيان حب الأنا، إذ إن كل فريق يريد مصلحته الشخصية فقط، على حساب عائلة الوطن. هذا ما جعل من العلاقة العائلية، بين الشعب والمسؤولين علاقة فاشلة، فاقدة للمحبة، مليئة بالكراهية والنزاعات. كل ما ينطبق على العائلة الصغيرة ينطبق على الكبيرة، وخصوصا من جهة حضور الله في العلاقات، والحرية التي يجب أن يتحلى بها أبناء الشعب الذي لا يعيش حاليا سوى الإحباط، والشعور بفقد الكرامة. عندما يكون الله حاضرا في حياة جميع مكونات الوطن من زعماء ومسؤولين ومواطنين، وعندما تسود المحبة والتواضع والصدق والوفاء للوطن، وتعم الفضائل يصبح البلد فردوسا أرضيا. لذا، ندعو الجميع إلى العودة إلى الله، عندئذ يستقيم عمل الجميع وننجو جميعا من الهلاك".