لم يشعر ابناء المخيمات الفلسطينية في لبنان من قبل، انهم سيتركون لمصيرهم المجهول كما حالهم هذه الايام. أطبقت الازمة المعيشية والاقتصادية على تفاصيل حياتهم وهم اصلا يعانون وباتوا تحت الفقر المدقع والبطالة، ما جعلهم اشبه بـ"مواطنين" من الدرجة الثانية، و"آدميين" مع وقف التنفيذ، اذ تفتك ذات الازمة باللبنانيين أنفسهم، فكيف بهم وهم المحرومون من حقوقهم المدنية والاجتماعية والانسانية منذ عقود طويلة، وقد تعددت الاسباب والنتيجة واحدة.
اليوم، يزداد شعورهم بالاحباط واليأس مع التقصير الفاضح والمتمادي من قبل وكالة "الاونروا"، وهي المعنية برعاية شؤونهم وتشغليهم، مع ضعف الامكانيات الفصائلية الفلسطينية الّتي تراجع حضور بعضها وبات ما يشبه "الرمزي"، وبينهما محدودية مساعدات المؤسسات الاهلية والجمعيات الاغاثية العاملة في الوسط الفلسطيني مع ازدياد الاعداد والاحتياجات، فيما الخوف الاكبر من انفجار اجتماعي وشيك مع بدء السلطات اللبنانية اجراءات رفع الدعم عن المحروقات، انطلاقا من المازوت وصولا الى البنزين نهاية شهر ايلول الجاري والاستعداد للعمل بالبطاقة التمويلية، فيما لم تجدِ كل مطالبهم للوكالة باعتماد ذات الطريقة للتخفيف من معاناتهم التي تشمل مختلف الصعد.
علي فيصل
ويؤكد مسؤول "الجبهة الديمقراطية" في لبنان علي فيصل لـ"النشرة"، ان الازمة الاقتصادية والصحية التي تعصف بلبنان تنعكس بشكل مضاعف على اللاجئين الفلسطينيين جراء غلاء اكلاف الحياة ونتيجة تقصير "الاونروا" وتراجع خدماتها، ونتوقع ان تزداد الازمة تفاقما بعد رفع الدعم وإقرار الدولة البطاقة التمويلية للمواطنين اللبنانيين المحتاجين، وترك الفلسطينيين لمصيرهم المجهول والامن غدائي مستباح من تجار الاحتكار، الامر الذي يتطلب تحركا عاجلا من "الانروا" والمجتمع الدولي والدول المانحة والمضيفة لتأمين الأموال لوضع خطة طوارئ مستدامة اغاثيّة وصحية طيلة فترة الازمة، والعمل على اعتماد بطاقة تمويلية دائمة لجميع العائلات المحتاجة تتناسب ونسبة الغلاء الفاحش، وليس التوزيع لمرة واحدة وفق معايير استنسابيه تمييزيّة مرفوضة تستثني مئات العائلات المعوزة.
ودعا فيصل "الاونروا" لتأمين الاستشفاء الكامل لذوي المرض العضال والمزمن وتأمين الدواء، ومعالجة أوضاع البنية التحتية وتوفير مواد الطاقة المطلوبة كالمياه والكهرباء، ومضاعفة عدد العائلات المستفيدة من برنامج شبكة الأمان والمبلغ المقرر، سواء للاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان واللاجئين الفلسطينيين من سوريا، وبما ينسجم مع نسبة حجم البطالة وخطّ الفقر الذي وصل لحدود ٨٥%، مؤكدا ان الحكومة اللبنانية الجديدة مطالبه بشمول اللاجئين في خطّتها الاقتصاديّة والصحّية، والعمل على إقرار الحقوق الانسانيّة لتخفيف أعباء وتداعيات الازمة الاقتصاديّة عنهم في لبنان.
وطالب فيصل الدولة اللبنانية ولجنة الحوار الفلسطيني وهي تترأس لسنة اللجنة الاستشارية المعنية بـ"الاونروا" بالضغط من أجل تأمين الاموال لخطة طوارئ عاجلة مستدامة، الى جانب الشروع بحوار فلسطيني-لبناني لتنظيم كل نواحي الحياة والعلاقات الاخوية الفلسطينية-اللبنانية على أسس سياسية واقتصادية وقانونية وأمنية واضحة تفضي لوضع خطة عمل مشتركه تدعم نضال اللاجئين من أجل حق العودة، والتصدي لمشاريع التهجير والتوطين وتأمين الحياه الكريمة لهم. ودعا منظمة التحرير الفلسطينية ودائرة شؤون اللاجئين لتحرك اوسع على المستويين العربي الدولي، وخصوصًا الدول المانحة لتحمل مسؤولياتها تجاه شعبنا في لبنان، وفي إطار تعاون فلسطيني-لبناني ودولي لضمان التمويل الدائم لخطة دعم مادي وصحي مستمر.
ايمن شناعة
وفي احصائيات غير رسمية اعدتها اللجان الشعبية والاهلية في المخيمات، تبدو الارقام صادمة لجهة ارتفاع نسب البطالة وحالات العسر الشديد وازدياد الفاقة، ما دفعها الى اتهام "الاونروا" بالتقصير الفاضح ومطالبتها باعلان خطة طوارئ صحّية واغاثية تلبي حاجة ابنائها، ويؤكد مسؤول ملف العلاقات الوطنية ومسؤولها السياسي في منطقة صيدا أيمن شناعة لـ"النشرة"، ان عدم مبالاة الوكالة المذكورة مريب، ويجعلنا نشعر بالتواطؤ بهدف دفع الشعب الفلسطيني نحو اليأس والهجرة، فهي لا تحرّك ساكنا لمواجهة الازمات المعيشيّة والصحية وتتركه يواجه مصيره بمفرده، وليست ناجحة الا بالوعود والتسويف والمماطلة، حتى الان لم تطلق خطة طوارئ صحية رغم تفشي وباء "كورونا" في المخيّمات سابقا وحاليا، ولا تقدم برنامجا اغاثيا يخفف المعاناة، ومنذ بدء الازمة اللبنانية قدمت مساعدة مالية واحدة فقط قيمتها 120 الف ليرة لبنانية، ومنذ ايام وهي تقدم مساعدة ثانية لحالات العسر الشديد والاطفال دون سن الثامنة عشر بقيمة 40 دولار اميركي، وهي غير كافية بالتأكيد ويجب ان تشمل كل ابناء الشعب الفلسطيني في لبنان".
واضاف شناعة "والغريب العجيب انها لم تدرج على جدول اعمالها امكانيّة اطلاق بطاقة تمويليّة ولو لمدة عام وبمبلغ شهري مقطوع يساند العائلات على تأمين احتياجتها الضرورية، كما حال الدولة اللبنانية مع العائلات ذات العسر الشديد مع رفع الدعم عن المحروقات، بينما نحن على ابواب العام الدراسي الجديد، وحتى اللحظة لم تطلق خطة تربوية واضحة لجهة مواجهة الصعوبات والتحديات سواء حضوريا او التعليم عن بعد، ولذلك ندعوها الى مراجعة حقيقية لدورها ومهامها والمباشرة بتحقيق المطالب والا سنقوم بتصعيد التحركات الاحتجاجيّة للضغط عليها واجبارها على الاستجابة لنداءات الشعب الفلسطيني ودعم صموده ريثما يتمكن من تحقيق العودة".
عام جديد
ومع الاستعداد "الاونروا" لاطلاق العام الدراسي الجديد في مدارسها يوم الاربعاء في 22 ايلول الجاري، وسط ازمة جدّية تهدّد العمليّة التربويّة برمّتها بين اعتماد مبدأ الحضور والتعليم عن بعد ونقص الكادر التعليمي، يتوقع تربويون فلسطينيون عبر "النشرة"، ان يشهد العام الدراسي التحاق ما يزيد عن الف طالب من خارج مدارس "الأونروا"، مما يستوجب تأمين عشرات المعلّمين الجدد، وهذا يتطلّب تغييرا جذريّا في أعراف الوكالة وعدم التلكّؤ في انجاز المطلوب، موضحين انّ اسبابًا كثيرة لذلك كارتفاع الاقساط في المدارس الخاصة الى جانب الكتب والقرطاسية واجرة "الباصات"، وبالتالي انتقال عدد كبير من الطلاب منها، الاكتظاظ الشديد في المدارس اللبنانيّة الرسميّة، ما يجعل الخيار مفتوحا امام مدارس "الاونروا"، ما دفع اتحاد المعلمين في "الاونروا"، للمطالبة بتأمين الكادر التعليمي المطلوب لمدراسها في لبنان، قبل الشروع بافتتاح العام الدراسي، مؤكّدا على عدم السير بالافتتاح في حال لم يتم تأمين الكادر التعليمي والإداري.
واعتبر الاتحاد أنّ من غير المقبول "التّذرّع بانتظار الردّ من عمّان؛ فنحن وطلابنا لن ننتظر ردّا من أحد، وعلى الإدارة تحمّل مسؤولية تأمين جميع عناصر الكادر التّعليميّ من مدراء ونائبي مدراء وموجّهين ومرشدين" ولوّح بالقيام بخطوات تصعيديّة على الأرض قبل بداية العام الدراسي ووفق طاقة استيعابيّة في حدود 50% من الطلاب بشكل أسبوعيّ، وبعدد حصص يتواءم مع الدّولة المُضيفة، على أن يكون عدد الطلاب في الصّف الواحد يتماشى مع التّوصيات الواردة في البروتوكول الصّحي الذي أقرّته وزارة التّربية والتّعليم.