مع إرتفاع سعر صفيحة البنزين في السوق اللبناني، عادت الأسئلة لتطرح حول كلفة النقل بالنسبة إلى الموظّفين، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، لا سيّما أنها باتت تتجاوز قيمة الحد الأدنى للأجور المحدّد بـ675000 ليرة، أي ما يوازي 3.8 صفائح بنزين في حال لم يرتفع السعر عن 174300 ليرة.
عند رفع سعر صرف الدولار المعتمد لشراء المحروقات من 3900 لى 8000 ليرة، سارعت السلطات الرسمية إلى رفع بدل النقل من 8000 إلى 24000 ليرة، لكن مع ارتفاع سعر صرف الدولار إلى 12000 ليرة غاب هذا الأمر، مع العلم أنّه مرشح للتصاعد من جديد في المرحلة المقبلة.
الموظف بحال كان يحتاج إلى صفيحة بنزين واحدة في الاسبوع، فإنّ الكلفة النقل في الشهر هي بالحدّ الأدنى، على أساس سعر 174300 ليرة، 697200 ليرة، أيّ تفوق بدل النقل اليومي المحدد بـ24000 ليرة، بحال إحتساب عدد أيام العمل في الشهر 26 يوماً، نظراً إلى أن المجموع عندها سيكون 624000.
ما تقدم لا يمكن أن ينفصل عن كلفة إصلاح أعطال السيارات التي باتت باهظة الثمن، نظراً إلى أن إستبدال زيت المحرك فقط، مرة واحدة كل شهرين، تصل كلفته إلى حدود 400000 ليرة بالنسبة إلى السيارات الصغيرة التي تعدّ إقتصادية، ما يعني أن كلفة النقل عملياً تصل إلى حدود 900000 ليرة شهرياً.
قد يكون الحلّ الأفضل على هذا الصعيد هو دعوة المواطنين إلى إعتماد وسائل النقل الخاص (فان وسرفيس)، لكن الكارثة تكمن بأنّ كلفة إستخدامها باتت تفوق إستخدام السيارات الخاصة بسبب الفوضى القائمة في القطاع، بالرغم من أن نوعيّة الخدمة المقدّمة سيئة جداً، الأمر الذي يتطلب معالجة جدّية وسريعة، نظراً إلى أنّ الأزمة تفوق بأهميّتها تلك القائمة على مستوى الكهرباء.
في شهر آب الماضي، نشرت الدولية للمعلومات تقريراً بعنوان: "كلفة النقل 25% إلى 50% من الراتب الشهري"، تحدّثت فيه عن أنه "بالرغم من الارتفاع الرسمي المحدود في أسعار البنزين والمازوت (77,500 ليرة لصفيحة البنزين 95 أوكتان و58,500 ليرة لصفيحة المازوت)، فإنّ شحّ هذه المواد وفقدانها واللجوء إلى السوق السوداء أو الانتظار لساعات أمام المحطّات للحصول عليها أدّى إلى ارتفاع كبير في كلفة النقل في وسائل النقل كافة في لبنان لا سيّما بظل عدم وجود وسائل نقل عام، بحيث أصبحت الكلفة تستحوذ على ما نسبته 25%-50% من الراتب الشهري للعامل".
هذا الواقع من المفترض أن يكون أصبح أكثر كارثياً اليوم، بالرغم من أن الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين يؤكد لـ"النشرة" أن ليس هناك دراسة جديدة توضح نسبة التكلفة الحالية بالمقارنة مع الراتب الشهري، لكنه يكشف أن كلفة كل كيلومتر في السيارة باتت توازي 1500 ليرة، ما يعني أن الموظف الذي يسكن بعيداً عن مكان عمله 10 كيلومتر فقط بات يحتاج إلى 30000 ليرة يومياً، أي 6000 ليرة إضافية على البدل اليومي المحدد للنقل.
في ما يتعلق بالنقل الخاص، فإن كلفة إستخدام الفان داخل بيروت تبلغ 10000 ليرة بينما كلفة إستخدام السيارة العمومية تبلغ 20000 ليرة، الأمر الذي يعتبره شمس الدين رقماً مبالغاً به، ويقترح تركيب عدادات على السيارات تحدد التسعيرة وفقا لقياس المسافات كما يحصل في الكثير من دول العالم، ويعطي مثالاً على ذلك أن المواطن الذي يستخدم السيارة "العموميّة" من ساحة الشهداء إلى رأس النبع أو بشارة الخوري يدفع 20000 ليرة، والمبلغ نفسه في حال كانت وجهته الضاحية الجنوبيّة، ويؤكدّ أن هذا الأمر غير عادل.
الحديث عن واقع النقل في لبنان يقود بالعودة إلى القرض الذي وافق عليه البنك الدولي لتمويل خطة النقل العام بقيمة 295 مليون دولار منذ سنوات، أيّ ذلك الذي كانت تريد الحكومة السابقة إستخدامه لشحن البطاقة التمويليّة، مع العلم أنّ كلفة الدعم الذي اعتمد حتى نهاية شهر أيلول الحالي، بعد رفع سعر الصرف من 3900 ليرة إلى 8000 ليرة، كانت بحدود 225 مليون دولار، من دون أن يلمس المواطن أيّ تغيير على مستوى تأمين المحروقات في الأسواق.
في المحصلة، يؤكد شمس الدين أنّه لا يمكن الحديث عن رفع بدل النقل من جديد، في الوقت الراهن، نظراً إلى أنّ ذلك يعني المزيد من السيولة في الليرة، الأمر الذي سينعكس على سعر صرف الدولار في السوق السوداء، لكنه في المقابل يؤكّد أن البلاد ستكون أمام كارثة كبيرة في حال لم يصار إلى وضع خطة نقل سريعة في غضون أشهر قليلة.