لا شكّ فـي أنّ توسُّع النفوذ الإيرانـي فـي لبنان واضح ولا حاجة لأيّ دليل، وهيمنة "حزب الله" على قرار الدولة يتـرسّخ يوماً بعد يوم، وتسخيـر لبنان ساحة مفتوحة لصراعات الـمنطقة، يتمّ برضى وقبول السلطة الـحاكمة بكل ألوانـها وأطيافها من دون خجل ولا وجل... وقد جاء موقف البـرلـمان الأوروبـي واضحاً وحاسـماً، إذ أكّد مسؤولية "الـحزب" فـي أزمة لبنان الإقتصادية والإجتماعية، واعتبـر فـي قرارٍ أصدره أنّ "كارثة لبنان سببها حفنة من الـمسؤوليـن". فعلى رغم حاجة لبنان الـملحّة لكل أنواع الـمساعدات، ولاسيما مادة الـمحروقات، فإنّ دخول قوافل الصهاريج الـمحمّلة بالـمازوت الإيرانـي إلـى الأراضي اللبنانية عبـر معابر غيـر شرعية، ومن دون موافـقة وزير الطاقة والـحكومة اللبنانية، وصمت فاضِح ومريب لكل الـمسؤوليـن، أظهرَ بوضوح غياب الدولة وضعفها وتـنازلـها عن سيادتـها وكرامتها، حتـى لو إعتبـر أحد النواب، لغايات إنـتخابـية ضيّقة، "أنّ إدخال النفط هو إنـتهاك للحصار وليس للسيادة"، متجاهلاً كلياً كل الـمساعدات التـي تُقدِّمها الدول الغربـية للبنان، وواقِع وجود عشرات البواخر فـي عرض البحر تـنـتـظر فـتح الإعتمادات لتبدأ بتـفريغ حـمولاتـها...
لا يكفي أبداً أن يقول رئيس الـحكومة نـجيب ميقاتـي "أنا حزين على إنـتهاك سيادة الدولة"، فاللبنانيون الأحرار الذين لـم تلوّثهم آفات الـمصالـح الـخاصة والـمحسوبـية والزبائـنـيـة والـمذهبـية الـحاقِدة والـجهل، حزيـنون أكثر على مستوى الـمسؤوليـن والـحُكم والـحكومة...
تقول وكالة "بلومبـرغ" للتصنيفات الإئـتـمانية : "قد يكون لبنان حظيَ بفسحة للتـنـفُّس، لكن ثـمّة أمراً ينبغي ألاّ يـنساه زعماؤه - والعالـم من حوله - وهو أنّ أزمة لبنان الوجودية لـم تـنطوِ بعد".
ونـحن بدورنا نسأل : كيف يُـمكِن أن تـنطوي هذه الكارثة، بوجود الـمنظومة الفاسدة والفاشلة عينها - أو مـمثّليها – فـي الـحكومة، وهي التـي نـهبت خيـرات البلاد والعباد، وكانت سبب كل مآسينا وانـهياراتـنا ؟
جـميلٌ شعار "معاً للإنقاذ"، وجـميلٌ أيضاً تدبـيـج الكلمات الرنّانة، وإطلاق الوعود البـرّاقة فـي "البـيان الوزاري"، ولكن غالبـية اللبنانيـيـن يا سادة، شبِعوا وعوداً وشعارات، ولـم يعُد أحد منهم يُصدِّق كلمة واحدة من "بـياناتكم"، فليس بالشعارات والوعود والـحزن والبكاء تستعيد الدولة سيادتـها، ويستعيد الوطن عافيته وأمنه واستقراره وازدهاره.
ليس وحدهم أنصار "حزب الله" يُـحبّون الدبكة و"الزلغطة" ورشّ الأرزّ والورود تعبـيـراً عن فرحهِم، لكن ربـما وحدهم يـحقّ لـهم إطلاق الرصاص وقذائف "الآر بـي جي" ترحيـباً بقوافل الصهاريج الـمحمّلة بالـمازوت الإيرانـي... وقد علّقَ أحد الـمهضوميـن على هذه العراضة قائلاً: "بـحسِدُن لـجماهيـر الـحزب، إنّو منيـن بـيجيـبوا هالـمقدرة الـهائلة بالإنفصام عن الواقع ؟ ولِك رغم الشحار والذلّ والـمصايب بتلاقيهُن منـتصرين، ولِك من دجاجة إنـتصار، بقدونس عالبـرندا إنـتصار، صهريج مازوت إنـتصار، بَلا مَي وكهربا، وبَلا خبز ودوا ومستشفيات إنـتصار"...
جـميعنا نـحبّ الإنـتصار والفرح و"الزلغطة"، ولكن من غيـر الـجائز، لا بل من الـمُعيب أن نفرح و"نزلغِط" إلاّ عندما : - تبسط الدولة سلطتها على كامل أراضيها، ولا يـبقى سلاح غيـر سلاحها، ولا جيش غيـر جيشها.
- يتمّ تـحيـيد لبنان عن الصراعات الإقليمية، ويتوقّف فريق من اللبنانيـيـن عن تـنفيذ أجندات إحدى دول الـمنطقة.
- تـتعزّز إستقلالية القضاء، ويـحصل التدقيق الـجنائي، ويُـحاسَب كل مَن مدَّ يده إلـى الـمال العام.
- تُستعاد الأموال الـمنهوبة والـمُهرَّبة إلـى الـخارج.
- تُعاوِد الـمصارف نشاطها، فيقصد الـمودِع مصرفه ويسحب حاجاته من ودائعه بلا قهر وعذاب.
- تــتوافر الـمياه والكهرباء فـي منزل الـمواطن ومتجره ومصنعه 24/24 ساعة.
- يتوافر الرغيف فـي الأفران، والوقود فـي الـمحطات، والدواء فـي الصيدليات، والـمستلزمات الطبـية فـي الـمستشفيات،
وتـختـفي طوابـيـر القهر والذلّ.
- يُصبِح الراتب الشهري للمواطن كافياً لتعليم أولاده وشراء حاجاته اليومية وتأميـن عيشه الكريـم...
نعم يا سادة، "نزلغِط" ونفرح ونـنـتصر ، عندما نعيش حياة طبـيعية من دون خوف وقلق وإذلال، فـي بلد سيّد حُـرّ ومستقِلّ، وتستعيد الدولة ثـقة الناس والـمجتمع الدولـي.