على الرغم من الإختلاف الكبير بحجم الأزمة، بين عامي 2018 و2021، حيث الإنهيار المالي والاقتصادي وصل إلى مرحلة لم يكن أحد في الجمهورية اللبنانية يتخيّلها، إلا أن المشهد نفسه يتكرر في الوقت الراهن، لناحية تقديم القوى السياسية المحلية، لا سيما منها تلك المشاركة في الحكومة، الوعود بالإصلاح مقابل الحصول على أخرى متعلقة بتقديم المساعدات المالية، سواء كانت على شكل قروض أو هبات.
في شهر نيسان من العام 2018، أي قبل شهر واحد من الإنتخابات النيابية، حصل لبنان على قروض ميسرة وصلت قيمتها الإجمالية إلى أكثر من 11 مليار دولار، وهبات بقيمة 800 مليون دولار، إلا أن أيًّا من هذه الأموال لم يصل إلى لبنان، نظراً إلى أن الحكومات المتعاقبة، منذ ذلك الوقت، لم تقدم على أي خطوة إصلاحية، بعد أن حصلت على ما تريده من تلك الإنتخابات التي سبقتها بمجموعة من الخطوات الشعبوية، أبرزها إقرار سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام.
في المرحلة الحالية، تعود الحكومة اللبنانية إلى تقديم الوعود بالإصلاح مقابل الحصول على المساعدات الماليّة من الخارج، برعاية فرنسا التي كانت الجهة التي رعت مؤتمر سيدر الأول، لكن مع فارق جوهري يتمثل بأن المملكة العربيّة السعوديّة، التي كانت داعمة لذلك المؤتمر، ليست في وارد تقديم أي مساعدات، من دون الحصول على ضمانات سيّاسية، بالإضافة إلى أنّ صندوق النقد الدولي، بما يحمله من شروط قاسية، بات ممراً إلزامياً لا يمكن الهروب منه.
بالتزامن، تبدو القوى السياسية أمام معضلة تصحيح الرواتب والأجور، التي خسرت قيمتها في الأشهر الماضية، لكن هذه المرة ليس على مستوى القطاع العام فقط بل أيضاً القطاع الخاص، مع ما يعنيه ذلك من إحتمال التضارب مع شروط صندوق النقد الدولي، الأمر الذي يدفع إلى طرح الكثير من علامات الإستفهام حول القدرة على إستثمار ذلك في صناديق الإقتراع، في حين أن القوى الغربيّة تريد أن تستثمر في الواقع الذي تمرّ فيه البلاد في الإنتخابات النيابية أيضاً.
في مرحلة تأليف الحكومة، كان الحديث في الأوساط السياسية يدور عن أن العمر الأقصى لحكومة نجيب ميقاتي الثالثة هو 8 أشهر، أيّ حتى موعد الإنتخابات النيابية المقبلة، لكن رئيس المجلس النيابي نبيه بري حدّد، في حديث صحافي مؤخّرًا، أن العمر العملي هو 3 أشهر فقط، أي حتى نهاية العام الحالي، نظراً إلى أن لبنان سيدخل بعد ذلك في مرحلة التحضير للإنتخابات النيابية التي باتت على الأبواب.
من وجهة نظر بري، الملفّات التي على الحكومة أن تبادر إلى معالجتها، في هذه الفترة، هي الكهرباء والإستقرار النقدي وتأمين المحروقات وتصحيح الأجور، إلا أنّ من الناحية العمليّة تصطدم الملفات الأربعة بالكثير من العراقيل التي تحول دون انجازها في هذا الوقت القصير، إلا إذا كان المطلوب منها تقديم المزيد من الوعود التي لا تنفذ، خصوصاً أن الظروف الدولية والإقليمية، لناحية المفاوضات التي تحصل على مستوى المنطقة بشكل خاص، لا يبدو أنها مساعدة بشكل مطلق.
ما تقدم يقود إلى معادلة كانت واضحة من مرحلة تأليف الحكومة، لكن أحداً لا يريد الإعتراف بها بشكل رسمي، تكمن بأن مهمتها لا تتخطى تأمين الوصول إلى الإنتخابات النيابية بأقل قدر ممكن من الخسائر، لا سيما على المستويين الإقتصادي والإجتماعي، على أن يدخل لبنان بعد ذلك في مرحلة رؤية الشكل الذي ستكون عليه التسويات في المحيط، بعد أن بات جزءاً من الساحات التي تنتظر ما سيقرره اللاعبون الإقليميون والدوليون.
أساس هذه المعادلة يكمن بأن البلاد بحاجة بعد الإنتخابات النيابية، في حال حصولها فعلاً، إلى تسوية تتعلق بالإنتخابات الرئاسيّة، لم تظهر معالمها حتى اللحظة، لا بل قد تكون من أقسى المعارك السياسية التي عرفها لبنان، ومصيرها قد يكون متوقفاً حول مسار التسويات على مستوى المنطقة، حيث أنها قد تكون مكملة لها، أي أنْ تحصل الإنتخابات في موعدها بناء عليها، أو جزءاً منها، ما يعني الدخول في مرحلة فراغ رئاسي بإنتظار حسمها.
الأخطر في هذا الواقع قد يكون في مكان آخر، حيث أبواب تغيير أو تعديل النظام السياسي كانت قد فتحت منذ أشهر طويلة، ولو بشكل خجول، وبالتالي هذه البوابة قد تكون معبراً أساسياً للإنطلاق نحو المرحلة الجديدة التي بدأت معالمها بالبروز، عبر الحديث عما يشبه الوصاية الدولية إقتصادياً، تتولى إدارة المشاريع والمؤسسات، كالكهرباء والإتصالات والنقل، برعاية فرنسيّة بالدرجة الأولى.
في المحصّلة، كانت نتيجة الوعود الإصلاحية في العام 2018، التي لم تكن مبنيّة على أيّ معايير سليمة، الإنهيار المالي والإقتصادي في العام 2019، فهل تقود تلك المقدمة من أركان الطبقة السياسية نفسها إلى ما هو أخطر من ذلك بعد إنتخابات العام 2022؟!.