توقع الكثيرون تشكيل حكومة جديدة في لبنان، لكنهم لم يتوقعوا الوقت المحدّد الذي تم فيه التشكيل، كما لم يتمكنوا من معرفة مدى النفوذ الذي سيكون لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون فيها. ولكن، بعد ان تأكدوا ان الأخير حصل على ما كان يريده، بالتفاهم والتنسيق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وبشكل يرضي الطرفين بعد مفاوضات شاقة وصعبة وتدخلات محلية وخارجية وضغوط مورست عليهما، انتقلت الامور الى المرحلة الثانية. ليس سراً انه بالنسبة الى اللاعبين اللبنانيين، فإن عنوان الفترة المقبلة ليس الاصلاح ولا النهوض الاقتصادي والمعيشي والمالي، بقدر ما هو الانتخابات النّيابية والقدرة على اظهار النفوذ والشعبية التي يتمتع به هؤلاء اللاعبون، والتي ستنعكس في تمثيلهم تحت قبّة البرلمان، ليقدموا بذلك "اوراق اعتمادهم" الى الخارج للموافقة على تسلّمهم مناصب ومراكز معيّنة، ودوراً مهماً في الحياة السياسية والعامة.
ومنذ ان تشكلت الحكومة، بدا وكأنها كانت الاشارة لانطلاق حملة جديدة على الرئيس عون، وبات مسؤولون سياسيون وزعماء احزاب وتيارات سياسية وحتى وسائل اعلام، "يتهافتون" لانتقاد العهد والتركيز على النواحي السيّئة التي عرفها لبنان على مدى السنوات الخمس التي كان عون فيها في قصر بعبدا. ووصل الامر الى حد الترويج لاجراء انتخابات رئاسيّة مبكرة، مع التسليم بوجوب بقاء عون في سدّة الرئاسة حتى انتهاء ولايته مستشهدين بما حصل أيام رئاسة الرئيس الراحل سليمان فرنجيه. في الواقع، لا يستهدف هؤلاء رئيس الجمهورية بشكل مباشر، فهم يعلمون ان طموحه السياسي سينتهي فور مغادرته قصر بعبدا، وان حظوظ التمديد او بقائه في القصر بعد انتهاء الولاية، تكاد تكون معدومة وغير مقبولة، كما انه ليس هناك من "ناد لرؤساء الجمهورية السابقين" كي ينضم اليه ويحيي حضوره في الحياة العامة، ولن يعود لرئاسة التيار الوطني الحر، وبالتالي فهو لن يشكل أيّ خطر عليهم في المستقبل المنظور والبعيد. ولكن، ما لن يستفيد منه عون، قد يستفيد منه صهره النائب جبران باسيل، لذلك فإنّ اضعاف رئيس الجمهورية حالياً، من المتوقع ان يرتد ايجاباً على مسار الحدّ من طموحات باسيل بالتقدّم في الحياة السياسية، وعلى رأس القائمة منعه من الوصول الى بعبدا. والخطوة الاولى في هذه المهمة، تكون في "اطلاق النار" على عون لانهاكه واضعافه قدر الامكان، ثم تطويق باسيل عبر تحالفات واتصالات كي يتراجع حضوره في مجلس النواب، ما يعني حكماً التخفيف من نسبة نفوذه واظهاره بمظهر الضعيف امام الخارج كي لا يتم التفكير به او ترجيح توليه رئاسة الجمهورية بعد عمّه. وعلى الرغم من ان الانتخابات الرئاسية لا تزال بعيدة نسبياً، وان الاستحقاق النيابي اقرب منها، فإنه من المتعارف عليه انّ الحماوة الرئاسيّة تبدأ في السنة الاخيرة من عهد أيّ رئيس، فكم بالحري اذا كانت الشهية مفتوحة في ظلّظروف استثنائية تسهّل التصويب على عون ووضع هدف على ظهره يحمل صورة باسيل، والاخير لن يقف مكتوف اليدين، وهو سيردّ بطبيعة الحال، الا انّ عليه ايجاد طريقة لردع التكتلات ضده، وهو في موقف لا يحسد عليه لانّ اخصامه اكثر بكثير من حلفائه او المتفاهمين معه.
بعد حوالي سنة، تطوى رسمياً صفحة ولاية عون، ومن المتوقع ان تبدأ صفحة ولاية رئيس جديد، الا ان الكتاب الرئاسي، وفق الخبرة التي اكتسبها اللبنانيون في العقود الاخيرة، تبدأ فصولها الاولى بزخم وقوة فريدين وينتهي فصلها الاخير بضعف الرئيس والتقليل من اهمّيته، وهذا ما عانى منه رؤساء الجمهورية بعد الطائف، ومن المتوقع ان يعاني منه الرئيس الجديد اياً تكن هويته ومهما كانت قوّة تمثيله وحضوره الشعبي، وسيجهد العديد من المسؤولين ورؤساءالاحزاب والتيارات السياسية على الا يكون باسيل هو الشخص المعني بهذا الامر.