هذا السؤال يـتـردّد فـي كل بـيـت وكل منطقة وكل طائفة وكل حزب وكل زاوية من زوايا الوطن...
"الـحزن" الذي أبداه الرئيس نـجيب ميقاتـي على إنـتهاك سيادة لبنان، بعد مرور صهاريج الـمازوت الإيرانـي عبـر الـمعابر غيـر الشرعية، ردَّ عليه رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب مـحمد رعد، مُعتبِـراً بأنّ "إدخال الـمحروقات قرار وطنـي بامتياز وقرار سيادي يكرِّس حقّ الدفاع عن النفس"، وسط صمتٍ مُـخزٍ لكل أركان السلطة...
وغداً، عندما يشتـرط صندوق النقد الدولـي والـمجتمع الدولـي إقفال الـمعابر غيـر الشرعية، سيعتبِـر النائب مـحمد رعد و"حزب الله" أنّ هذا الشرط هو إنـتهاك لسيادة لبنان...
"الإستـراتيجية الدفاعية" التـي بدأ مشوارها عام 2006 مع طاولة حوار رئيس مـجلس النواب نبـيه بري، عقب إغتيال الرئيس رفيق الـحريري، رفضها "حزب الله"، ولا يزال، لأنـها تـتعارض مع إستـراتـيجيـته الإقليمية والعقائدية وطموحاته الداخلبة...
"تـحيـيد لبنان" عن سياسة الـمحاور والصراعات الإقليمية والدولية وتـجنيـبه الإنعكاسات السلبـية والتوترات والأزمات الإقليمية، كما ورد فـي "إعلان بعبدا"، وافق عليه "حزب الله" لليلة واحدة فقط، ثـم إنقلبَ عليه فـي اليوم التالـي...
"الـمحكمة الدولية"، التـي إنـتظرنا أن تلفظ حكمها طوال 12 سنة، وكلّفت الشعب اللبنانـي مليار دولار، والتـي حكمَت على سليم عياش،(وضمناً "حزب الله")، ودانـته باغتيال الرئيس رفيق الـحريري، رفض "الـحزب" تسليم القاتل واعتبـر الـمحكمة أميـركية وصهيونية...
"الـحياد" الذي طرحه البطريرك الـمارونـي مار بشاره بطرس الراعي، من أجل تـجنيـب لبنان الـحروب والـمآسي، ردَّ عليه الـجيش الإلكتـرونـي لـ"حزب الله" بـتخوينه واتـهامه بالعمالة... كما ردَّ عليه الشيخ أحـمد قبلان، باسم "الثـنائي الشيعي": "لبنان بلد لأهله وناسه وكل مكوّنيه، لكنه بلد مقاوِم لا يقبل أن يكون فريسة للصهاينة أو الأميـركيـيـن أو أقـنـعـتهم"... بالأمس، إتـهم الـمحقِّق العدلـي فـي قضية إنـفجار مرفأ بـيـروت القاضي طارق البـيطار، رئيس الـحكومة السابق حسان دياب ووزراء ونواب وقادة أمنيـيـن وغيـرهم، فاتـهمه الأميـن العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بأنه "يشتـغِل سياسة، والتحقيق مُسيَّس"... ثـمّ توالت الإجتهادات والإعتـراضات والتصاريح الرافضة لـحكم الـمحقِّق العدلـي من على أعلى "الـمنابر الطائفية"...
يا سادة، لِنقُلها بصراحة، من دون كفوف ولا أقنعة، ومن دون خبث ولا مزايدات، هذا النظام الذي توافق عليه أجدادنا، سقط منذ زمن بعيد.. بدأ سقوطه عام 1958، وتكـرّر سقوطه عام 1969، وتأكّد سقوطه عام 1975، ليتحوّل إلـى كابوس منذ عام 2008...
خلال 78 سنة، جرّب اللبنانيون الدولة الـمركزية الـميثاقية، ثـم الدولة الـمركزية التوافقية، ثـمّ دولة "حزب السلاح".. وقد جرّبوها مع أفرقاء عدّة، مع "الـمارونية السياسية"، ثـمّ مع "السنـيّـة السياسية"، وأخيـراً مع "الشيعيّة السياسية"، فماذا كانت النـتيجة ؟
إنقسامات وتعدُّد ولاءات وتـخوين واستقواء بالـخارج وتسلُّح وحروب ودمار وفقر وهجرة كل عشر أو خـمس عشرة سنة، أو إنـتداب أو وصاية أو إحتلال...
إذا لـم نتعلّم من التاريخ، فمَن سيعلِّمنا ؟ فالتاريخ يفضح الشعوب ويُـعـرّيها، وهو يعلِّم الإنسان الدروس، ويـجعله أكثر وعياً، وأقدر على إتـخاذ الـخطوات الـمناسِبة...
فمتـى سيتوقّف رؤساء الأحزاب والطوائف عن طمر رؤوسهم فـي الرمال وارتكاب أخطاء أسلافهم ؟ ومتـى يستـفيق زعماؤنا من غيـبوبتهم، وينـزعوا عنهم قشور "الأنا"، فيـتّـعِظوا من الأحداث والـحروب والويلات التـي عصفت بوطنـنا، بـتجرُّد وواقعية وبروح الـمسؤولبة ؟
يا سادة، أوطان كثيـرة عاشت مثلنا عشرات السنيـن من التـناحر والتقاتل، فارتوت أرضها بدماء الشهداء، وهجرها شبابـها بسبب الفقر والـخوف والقلق، إلـى أن شبِعت الأرض من دماء أبنائها، واستيقظ رجالاتـها ومسؤولوها من سُباتـهم وتـخلُّفهم، فاجتمعوا وتـحاوروا واتفقوا على نظام جديد يـحفظ أوطانـهم ويـحمي شعوبـهم ويُـحصِّن الـمواطنة لديهم...
فخامة رئيس الـجمهورية العماد ميشال عون، صحيح أنَّ الـحوار الوطنـي بشأن هوية لبنان ومستقبله ومصيـره كان يـجب أن يـبدأ فـي السنة الأولـى من عهدك، ولكن لـم يفت الأوان، وMieux vaut tard que jamais، فإنقاذ الوطن، وإعطاء بعض الأمل لأولادنا، يستحقّان هذه الـخطوة الشجاعة وهذا التحدّي الكبـيـر.