تنهمك الدولة اللبنانية في ترتيب اوراقها، وتعمد الحكومة الجديدة الى ابلاغ اللبنانيين بشكل مباشر وغير مباشر، انها جادة في تعبيد طريق الخلاص للبنان، من خلال طرق باب هذا الطريق اي التفاوض مع صندوق النقد الدوليIMF. وكان لافتاً في هذا السياق، تشكيل لجنة للتفاوض مع الصندوق، من قبل مجلس الوزراء، انما الصيغة التي اتت بها، ضمنت ان يكون لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الفضل الاول لتشكيلها (كونه هو من طرحها)، وذلك بالتنسيق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي (وفق ما اعلنه وزير الاعلام جرورج قرداحي بعد الجلسة الوزارية الاخيرة). ولكن ما تم اعلانه عن اعضاء التشكيلة، يوحي بكل وضوح ان هناك بعض الشكوك حول مدى التوافق على الاعضاء ودور اللجنة، اذ يكفي الاشارة الى ضم عون لخبيرين من طرفه لمعرفة انه غير ممثل في اللجنة التي اقترحها بنفسه! فنائب رئيس الحكومة ووزير المالية ووزير الاقتصاد والتجارة لا يعكسون على ما يبدو آراء عون ومواقفه ورؤيته ربما، وهو العليم بتوجهات الوزراء اكثر من غيره كونه وافق ووقّع على مرسوم وجودهم في الحكومة.
في المقابل، يبدو ميقاتي اكثر ارتياحاً للامر، فهو غير قلق من تمثيله في اللجنة لانها تضم وزراء من المحسوبين عليه او من الاطراف التي يتواصل معها من دون عناء او حرج، فيما غني عن القول ان رئيس مجلس النواب نبيه بري يحتفظ بحصته الرئيسيّة في اللجنة من خلال وزير الماليّة. وفيما ضمن كل ممثلي السلطة التشريعية والتنفيذية وجودهم بطريقة غير مباشرة في اللجنة، لا بد من السؤال عن جدوى هذا الصراع على التمثّل فيها، وهل من هدف معيّن يستلزم كل هذا الجهد؟ في الواقع، ليست الاجابة بالصعبة، فالامر يقتصر فقط على اثبات الوجود، وعلى القول ان لكل شخص من المسؤولين الثلاثة حصته في اللجنة، ما يعني ان أي نجاح (متوقع) سينعكس عليهم جميعاً ويضمن حقوقهم في اظهار انفسهم للمواطنين على انهم كانوا بالفعل خشبة خلاص للبنان، مهما كانت التدابير القادمة قاسية وغير شعبية (لكنها حتماً ستكون مماثلة لما يعيشه اللبنانيون اليوم في كل القطاعات). وفي حين حضر المفاوضون اللبنانيّون، لا يتوقع كثيرون ان يحضر التفاوض بشكل جدّي، على الرغم من كل محاولات الحكومة والمسؤولين اظهار رغبتهم في تحقيق المكاسب للبنان من خلال محاورة اعضاء صندوق النقد الدولي، الا ان الجميع يدرك ان الصندوق لن يعمل وفق رغبة المسؤولين او المواطنين اللبنانيين، بل وفق رغبته وفي ظلّ "تمنّيات" يمكن ان تفرضها دول كبرى وفي مقدّمها الولايات المتحدة الاميركية واوروبا. وعليه، فلن يضفي حضور أيّ شخص في عداد الوفد اللبناني رونقه الخاص، ولن يكون بمقدوره ترك بصماته، بل سيكون اعضاء الوفد اقرب الى"الشهود" في قضية معروفة الاهداف، وقد يرحمنا الصندوق الدولي بشروطه بفعل التدخّلات الغربيّة، وهو ما يعتمد عليه ميقاتي تبلّغه من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ومن واشنطن وبعض الدول. ولعل وجود ممثل عن بري وعبره عن "حزب الله" ضمن عداد وفد يفاوض منظمة دوليّة، خير دليل على سقوط بعض المحظورات التي كانت موضوعة سابقاً، لا بل ستكون نقطة قوّة بالنسبة الى الخارج لافهام الجميع ان مختلف الاطراف اللبنانية وافقت على النتائج التي ستسفر عنها المفاوضات، والتي لن تتغير بشكل كبير عن الاوراق التي سيجلبها معهم اعضاء وفد الصندوق الدولي، ولكنها سترضي الجميع، اذ سيحظى الـ IMF بمبتغاه، وسيعود الوفد اللبناني الى بيئته ومجتمعه وكأنّه حقق النصر ليتم استثمار المسألة في الانتخابات النّيابية المقبلة، والتي اصبحت حالياً الاولوية المطلقة بالنسبة الى الجميع. وبالتالي، قد تغيب المفاوضات عن لقاءات لبنان والـIMF، ولكن الانتخابات ستحضر بقوة قبل جولات المفاوضات وبعدها.