عانت الحكومة الجديدة من صفعة حقيقيّة أولى، وظهرت امام المواطنين وكأنّها غير موجودة وغير قادرة على التعاطي مع المشكلات الجدّية التي تواجههم، وهي التي وعدت بالعمل على البدء بالانقاذ.
لم يكن احد يتوقع ان يكون هذا الإنقاذ بين ليلة وضحاها، وان تتبخر المشاكل والويلات والمآسي في غضون ساعات على تشكيل الحكومة، ولكن في المقابل، لم يكن احد ايضاً يتوقع ان تصبح بُشرى تشكيل الحكومة ونيلها الثقة وممارسة مهامها فعلياً وكأنه لم يكن. ففيما كان الجميع ينتظر ما ستسفر عنه الأفكار الوزاريّة التي تعمل على انقاذ قطاع الكهرباء الذي يحظى بالاولوية، بدا وكأنّ الخطّة التي تحدّث عن تحضيرها وزير الطاقة والمياه وليد فياض، موجودة في مكان آخر لا يمكن الوصول اليها من قبل الوزارة. فقد اخذ أصحاب المولّدات المبادرة بأنفسهم، وفرضوا، بالقوّة، تعرفتهم الخاصّة على المشتركين، بعد ان ضربوا عرض الحائط بالتعرفة التي كانت أقرّتها وزارة الطاقة للمولّدات عن الشهر الفائت، وبدأوا باستيفاء الرسوم وفق المبلغ الذي حدّدوه، علماً أنّ المبلغ المُحدّد من قِبَلِ الوزارة لا يعرّضهم للخسارة، بل يخفف قليلاً من نسب ارباحهم التي وصلت الى حدود السماء.
هذا الواقع اضعف الثّقة بالحكومة، التي بدت وكأنّها غير موجودة، وامتداد لحكومة تصريف الاعمال، فيما عمد وزيرا الطاقة والاقتصاد الى الانسحاب من المواجهة ولملمة خسائرهما، والاعتراف بخسارة المواجهة امام أصحاب المولدات (وللتذكير فإن هؤلاء يعملون اصلاً بطريقة غير شرعيّة ويفرضون ما يشاؤون من شروط وتعرفات على المشتركين معهم، من دون حسيب او رقيب). شكاوى المواطنين من دفع فواتير الاشتراك عن الشهر الفائت وفق تعرفة صادرة عن أصحاب المولدات، لم تصل الى آذان الحكومة الجديدة، او أنّها وصلت بالفعل الى آذان قرّرت ألاّ تسمع، ما دفع الناس الى السؤال عن مغزى أيّ خطة للكهرباء والتحركات التي يقوم بها أعضاء الحكومة الى مصر والأردن وسوريا وغيرها من الدول؟ لا بل بات السؤال الأهم: من هو صاحب خطّة الكهرباء؟ هل سيسمح أصحاب المولّدات للحكومة بوضع خطّتها، أم سيفرضون عليها تبنّي خطّة يضعونها، تراعي مصالحهم وتوسّع من صلاحيّاتهم ونفوذهم، وقد تضفي عليهم الشرعيّة بطريقة مجانيّة وفعليّة، وتضاعف ارباحهم مرات ومرات؟.
وفي حال اعتماد صفاء النيّة تجاه الحكومة، والتسليم بأنها ستكون صاحبة الخطّة التي ستقابل بها وفد صندوق النقد والدول، من يضمن قدرتها على التنفيذ؟ وهل "مافيا" المولّدات الكهربائيّة ستسمح بإنهاء وجودها ولو على المدى الطويل؟ خصوصاً وانها كسبت جولات عديدة في الحرب التي كانت تُعلن (ولم تُشنّ) عليها، آخرها جولة تعرفة الكيلواط/ساعة التي أعلنت من خلالها بوضوح ودون أيّ مجال للشك، أنّها هي الدولة وهي التي تقرر ما تريده. ليس سرّاً او خفياً ان "مافيا المولّدات" محميّة من التيارات والأحزاب السّياسية، وبالتالي فقد تمكّنت من البقاء على قيد الحياة وبسط نفوذها على مدى سنوات، مستفيدة من هذا الدعم والغطاء، فهل من يراهن بالفعل على تغيير هذا الواقع في بلد لا يزال قائماً على أسس المحسوبيّات والتبعيّة؟ وهل من عاقل سيصدّق ان الحكومة ستضع حداً لفلتان أصحاب المولدات على أبواب الانتخابات النّيابية التي دخل لبنان في آتون نارها؟ ومن الذي سيعوّض الأصوات التي يمكن ان يخسرها مرشّحو الأحزاب والتّيارات في حال تحقّقت هذه الاعجوبة؟ انها اضغاث أحلام، ولكنها للأسف حدّت من الآمال والتوقّعات وبصيص الأمل الذي أعطاه تشكيل الحكومة للمواطنين الذين يبحثون عن خيط يتعلقون به لمنعهم من الغرق في بحر المشاكل الذي يعصف بهم.
إنّها صفعة محكمة للحكومة وهي في خضمّ انطلاقتها، والخوف من أنْ يشكّل هذا الأمر سابقة، فتنتقل العدوى الى قطاعات أخرى ومرافق ومؤسسات أخرى، فتصبح قرارات الحكومة مجرد حبر على ورق من دون قدرة على التنفيذ والتطبيق، وستبقى هذه الصفعة التي تلقّتها الحكومة وصمة عار على خدّها ظاهرة في ألم المواطنين وحسرتهم على من كانوا يعوّلون على اللجوء اليه...