فيما يطالب لبنان الرسمي بأن تكون المساعدات للنازحين السوريين من قبل الأمم المتحدة على أرضهم في المناطق الآمنة لتشجيعهم على العودة، رَفعت الأمم المتحدة من قيمة تقديماتها لهم ربّما لتثبيتهم في لبنان والتسبّب في هجرة اللبنانيين بالآلاف الى أوروبا ودول الغرب. فبعدما كانت تقدم 100 الف ليرة للشخص الواحد شهرياً، باتت تقدم 300 الف ليرة شهرياً بعنوان مساعدات غذائيّة، يعمدون إلى سحبها، من أحد المصارف اللبنانيّة، حيث يصطفون في طوابير طويلة بانتظار دورهم على الصراف الآلي.
وفي حين تصنّف الأمم المتحدة 70% من العائلات اللبنانيّة تحت خط الفقر، لا تقدّم لها أيّ دعم أسوة بالنازحين السوريين، بينما البطاقة التمويليّة، التي تُعلن عنها السلطات اللبنانية، لم تظهر على حقيقتها بعد، وهي تترنّح على وقع تأمين مصادر التمويل حتى بات المواطن اللبناني يصف حال السوريين بأفضل منه.
في هذا السياق، تؤكد مصادر معنية، لـ"النشرة"، أن هذا الوضع يؤشّر لبقاء السوريين في المناطق التي يقطنونها لعام إضافيّ على الأقل، لا سيما بعد أن تبلّغوا أنّ أولادهم سيسّجلون في المدارس الرسميّة اللبنانيّة على نفقة الأمم المتحدة، وتشير إلى أن كل نازح يغادر لبنان يسقط عنه مبدأ النزوح، وفي حال حاول العودة يُمنع من ذلك بالرغم من حالات عديدة سُجّلت مؤخّراً، بهدف قبض المساعدات التي ارتفعت قيمتها، ومنها بدل ايجار المنزل والطبابة والتدريس وبدل انترنت للتعليم المُدمج، بالإضافة إلى المساعدات الغذائّية الشهريّة ومساعدات بدل التدفئة والمازوت، التي تدفع بواسطة البطاقة الممغنطة في شهر تشرين الثاني.
وتشدّد هذه المصادر على أن كل هذه التقديمات حوافز لا تشجّع السوري على العودة الى بلاده، ما دفع أحد اللبنانيين إلى التعليق على هذا الواقع بالقول: "استقبلناهم كضيوف وباتوا أصحاب الدار، أحوالهم باتت افضل منّا، ودولتنا وعدتنا بالبطاقة التمويليّة التي لم تظهر الى النور، في حين أن الأمم المتحدة لا تدعم العائلات اللبنانيّة الفقيرة، بينما عليها أن تساوينا بالنازحين، على أقلّ تقدير، لرفع مدخول العائلات اللبنانية المُعدمة".
في المقابل، لا يبدو أن النازح السوري راضٍ أيضاً عن هذا الواقع، حيث يشير محمد فظاعة، الذي كان ينتظر دوره على الصراف الآلي، إلى أنّ لديه 5 أولاد، أيّ أنّه يتقاضى بدل مساعدات غذائيّة مليون و500 ألف ليرة لبنانية، إلا أنّه يلفت إلى أنه "قياساً على ارتفاع الأسعار والسلع في لبنان، فإنّ مجموع ما أتقاضاه لا يكفيني بدل تغذية".
بدوره، يطالب فيصل ماندو، وهو نازح سوري يقطن في احدى المناطق اللبنانية، الأمم المتحدة برفع قيمة المساعدات، "لأن الوضع الاقتصادي في لبنان صعب وظروف المعيشة ضاغطة"، ويضيف: "من يريد اعادتنا إلى بلادنا حاضرون لكن هناك أشخاص مطلوبون، وعلى الدولة السوريّة اصدار عفو عام عنهم، مع العلم أن سوريا لم تعد آمنة بكاملها"، حسب زعمه.
من جانبه، يطالب اللبناني محمد أبو عتريس بإعادة النازحين الى بلادهم، نظراً إلى أنهم باتوا يشكّلون ضغطاً كبيراً على البنى التحتيّة اللبنانيّة، ويأخذون المساعدات من الأمم المتّحدة التي يُحرم منها اللبناني الفقير، ويذكّر كيف أقدم، في بلدة ميفدون الجنوبية، سوريان على قتل مواطن من حولا من آل قطيش، بهدف سرقة أمواله، إلا أنّ القوى الأمنية نجحت في اعتقالهما في صيدا.
هذا الواقع، يعيد إلى الأذهان المواقف التي أطلقها النائب جميل السيّد، خلال جلسة مناقشة البيان الوزاري، حيث أشار إلى أن "إحدى الأسباب الإضافية لانهيار الاقتصاد هو النزوح السوري الذي يشكّل نحو 25% من إجمالي السكّان في لبنان، مما يتطلّب مصاريف كثيرة على خزينة الدولة اللبنانية"، خصوصاً أن "النازحين السوريين مؤمّن لهم التعليم والكهرباء والخدمات المجّانية، بينما مياه الصرف الصحي الناتجة عن المخيّمات يتمّ رميها في نهر الليطاني"، فهل تتحرك الحكومة الجديدة لمعالجة هذه الأزمة بأسرع وقت مُمكن، خصوصاً أن لبنان لم يعد يحتمل المزيد من الأزمات، بينما المجتمع الدولي يتفرّج على الواقع الحالي من دون أن يقدم أيّ مساعدات، قبل وضع لائحة طويلة من الشروط السّياسية وغير السّياسية؟!.