لم يعد بالإمكان استمرار الواقع الإرهابي في إدلب والتسامح مع المراوغة التركية في تنفيذ اتفاق سوتشي بإخلاء طريق m4 على الضفتين من الإرهابيين لمصلحة عودة سلطة الدولة السورية، ولهذا فإنّ الاتجاه السوري الروسي إنما يضع الرئيس التركي رجب أردوغان بين خياري القبول بتنفيذ الاتفاق، او مواجهة عملية عسكرية تفرض تنفيذ الاتفاق.. والسؤال الذي يطرح في ضوء ذلك هو الآتي:
هل نحن أمام تطور على الجانب التركي بما خصّ تنفيذ اتفاق سوتشي؟ أم أنّ أردوغان مستمر في مواصلة سياسة المناورة والابتزاز وعدم تسهيل تنفيذ الاتفاق إلا مرغماً؟
الواضح أنّ أردوغان لا يزال يراوغ وتصريحاته غير الودية تجاه روسيا حول جزيرة القرم وأوكرانيا خير دليل، حيث عمد أردوغان إلى اتخاذ موقف يرفض فيه الاعتراف بانضمام القرم إلى الاتحاد الروسي، وفي نفس الوقت قام بتعزيز علاقات تركيا مع أوكرانيا عبر بيعها طائرات مسيّرة، مما شكل استفزازاً لروسيا ومحاولة واضحة لابتزاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المعروف عنه بأنه لا يتسامح في مثل هذه الأمور ولا يرضخ لمثل هذه السياسات، إلى جانب كونه يرفض الدخول في صفقات مع أردوغان على حساب علاقته الاستراتيجية التحالفية مع سورية، ولهذا كان من الطبيعي ان يرفض بوتين ايّ إجراء وأيّ مقايضة مع أردوغان في إدلب ورفض مبدأ النقاش في الأمر، وأكد الإصرار على دعم موقف الدولة السورية في استعادة سيطرتها على إدلب، مما ألقى بأجواء من الفتور على القمة التي جمعت الرئيسين، التي دامت نحو ثلاث ساعات، ولم يصدر عنها بيان مشترك، وكذلك عدم عقد مؤتمر صحافي مشترك كما كان يحصل اثر اللقاءات السابقة…
من هنا كان من الطبيعي ان تكون نتيجة القمة الفشل في الاتفاق على تنفيذ اتفاق إدلب الذي تهرّب أردوغان من تطبيقه ..
لكن هذه النتيجة، في ظلّ قرار سوري روسي على تنفيذ اتفاق إخلاء الإرهابيين من جانبي أوتوستراد m4، تضع أردوغان أمام مواجهة ثلاث خيارات:
الخيار الأول، قبول التعاون مرغماً مع روسيا لتنفيذ اتفاق سوتشي بإخلاء طريق حلب اللاذقية ومدينتي اريحا وجسر الشاغور من الجماعات الإرهابية…
الخيار الثاني، رفض أردوغان التعاون حتى لا يُتهم بالخيانة من قبل الجماعات الإرهابية، وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها حزبه حزب العدالة والتنمية، وبالتالي اتخاذ موقف الحياد، بتسهيل العملية العسكرية ..
الخيار الثالث، عدم التعاون وعدم تسهيل العملية العسكرية، واللجوء إلى دعم الجماعات الإرهابية في مواجهة هجوم الجيش العربي السوري المدعوم من حلفائه في حلف المقاومة، ومن الطيران الروسي، على غرار ما حصل في العملية العسكرية السابقة التي أفضت إلى تحرير طريق حلب دمشق ومدينة سراقب، والعديد من القرى والبلدات في ريف إدلب الجنوبي..
لماذا اتخذ قرار القيام بعملية جديدة لتحرير واستعادة مناطق حيوية جديدة من إدلب؟
نضوج جملة من الظروف:
أولاً، حاجة سورية الماسّة إلى تحرير طريق حلب اللاذقية الحيوي اقتصادياً بالنسبة لسورية…
ثانياً، إنهاء وجود الجماعات الإرهابية في كامل محافظة درعا وصولاً إلى الحدود من الأردن وحوض اليرموك، وبالتالي تفرّغ الدول السورية لملف إدلب لمنع ايّ استقرار للاحتلال تركي بغطاء القوى الإرهابية في إدلب ..
ثالثاً، تعزز موقف سورية بانفتاح العديد من الدول العربية علي سورية، بدءاً بلقاء وزير الخارجية السوري فيصل المقداد مع نظرائه من ست دول عربية في الأمم المتحدة.. والتطور في العلاقات الاردنية السورية الذي تجسّد بعودة فتح المعبر الحدودي بين البلدين وتنشيط حركة تنقل البضائع والأفراد بين البلدين، والذي توّج أخيراً بالاتصال بين الرئيس بشار الأسد والملك عبد الله الثاني.. وقبل ذلك اضطرار واشنطن إلى تراجع واشنطن وموافقتها على تزويد لبنان بالغاز المصري والكهرباء من الأردن عبر الأراضي السورية، بما يشكل كسراً لـ «قانون قيصر» الأميركي السيّئ الذكر…