كان السباق بين الدول خاضعاً لأسباب سياسية وعقائدية وأمنية وإقتصادية، غير أنّ الدافع الرئيسي في نزاع العواصم أصبح إقتصادياً حالياً، نتيجة حدة الأزمات المعيشية التي تعاني منها الدول.
يخشى الأميركيون من تمدد الصين التي توشك على إغراق الاسواق العالمية بمنتوجاتها الصناعية، وهو ما إستدعى إستنفار الإدارات الاميركية بكل توجهاتها الحزبية الجمهورية والديمقراطية. ومن هنا يأتي قرار واشنطن بالتفرغ لمواجهة التنّين الصيني في ساحات العالم. هل تقدر الولايات المتحدة على صد المشروع الصيني؟ لا يبدو ان المواجهة سهلة، بدليل إنسحاب الأميركيين من ساحات عدّة، كما حصل في افغانستان والعراق لتكرّ السبحة تدريجياً في مساحات أخرى. قد يستدعي الأمر حرباً قاسية غير تقليدية بين جبّارين دوليين، تكون فيها التكنولوجيا هي الأداة في مواجهات سيبيرية تشلّ التواصل الدولي العابر للقارات وتعطّل شرايين الإقتصاد الذي صار يرتبط بتكنولوجيا الإتصالات: لا حاجة للصواريخ، ولا للدبابات او الطائرات في أي حرب مقبلة مهما كان حجم ودور المتورطين بالمواجهة.
يمكن الإستناد الى التوتر الذي حصل منذ ايام بين فرنسا وكل من الولايات المتحدة الاميركية واستراليا وبريطانيا، بسبب الغاء سيدني عقد الغواصات الفرنسية. كادت الواقعة أن تطيح بمستقبل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي رفع سقف خطاب بلاده الى مستوى لم تعهده العلاقات الفرنسية الاميركية الاسترالية من قبل. كان السبب إقتصادياً نتيجة حرمان باريس من مورد مالي مهم ومطلوب للخزينة والاقتصاد الفرنسي.
ذات العناوين هي التي تدفع ماكرون الى ابقاء نفوذه في ساحات افريقية، وتوسيع علاقاته مع عواصم اخرى، وتوقيع اتفاقيات استثمار نفطي في العراق وتجارية مع ايران، والتحضير لتوظيف دوره في لبنان.
يقول الخبراء في الشؤون الاستراتيجة أن الاعتراض الايراني على تصرفات اذربيجان ليس بسبب الدور الاسرائيلي المتمادي داخل الدولة الاذربيجانية بل ينطلق من دوافع اقتصادية بعد حرمان طهران من إستثمار اراضيها في مسار الترانزيت: سيطرت حكومة باكو على جزء من طريق الاتصالات "جوريس-كابان" بين إيران وأرمينيا، الذي كان في السابق تحت سيطرة العاصمة الأرمينية يريفان التي تتحالف مع طهران، كما ان طريق النقل "زنغه زور"، الذي اتفقت أذربيجان وأرمينيا على إنشائه ويربط بين منطقة نخجوان وأذربيجان عبر أراضي أرمينيا على حدود إيران، فرض الإستغناء عن إستخدام الأراضي الإيرانية لربط منطقة نخجوان بالدولة الرئيسية لأذربيجان.
اذا كانت واشنطن تتوجه لإختيار المواجهة في صد المشروع الاقتصادي الصيني عالمياً، فهل تتكرر عمليات المواجهة على مساحة العالم، وضمنها في الإقليم تحت عنوان إقتصادي.
توحي المعطيات ان الازمات المعيشية ستفرض نزاعات بين الدول، وتفرّق صفوف الحلفاء وتقرّب بين الخصوم. ومن هنا يجري ترقب مساحة الاقليم بدءاً من العلاقة الايرانية- التركية التي تهتز ضمنياً على طرق اذربيجان.