سؤالٌ كبير يحوم حول مصير إدلب وكيفيّة تحريرها، بعدما لفّ الغموض نتائج لقاء الرئيسَين بوتين واردوغان في سوتشي الرّوسيّة.. فلا مؤتمر صحفي أعقب اللقاء لشرح ما توصَل اليه الرّئيسان، حتى المتحدّث باسم الرئاسة الرّوسيّة ديميتري بيسكوف الذي مرّر كلاما مقتضبا امام الصحفيّين الخميس الفائت، لفت فيه الى "ضرورة إخلاء المحافظة من العناصر الإرهابيّة المتبقية هناك".. رفض الكشف عن ايّ تفاصيل "هامة" تطرّق اليها بوتين واردوغان خلف الأبواب الموصدة بخصوص ادلب...
فهل سيمّ تحرير المحافظة بعمليّة عسكريّة يشنّها الجيش السوري بتغطية جوّية روسيّة، ام سيسري عليها سيناريو استعادة درعا؟.. علما بأنّ الضوء الأخضر الأميركي عبّد طريق نجاح تسوية المحافظة الجنوبية نظرا لعقبة الجماعات المسلّحة فيها امام المهمّة الأميركية بتسهيل إحياء خطّ الغاز من مصر-الأردن،عبر سورية الى لبنان، للإلتفاف حينها على اعلان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، استقدام النفط الايراني الى لبنان لمواجهة الحصار الأميركي.
وفيما نقلت معلومات صحفيّة لبنانية عن مصادر روسيّة واكبت لقاء بوتين- اردوغان، اشارتها الى انّ قرار معركة ادلب لم يكن على طاولة التفاوض مع الرئيس التركي، بل انّ الأخير وُضع امام خيارّين: إما وقوف تركيا على ضفّة تسهيل المعركة، او عرقلتها. ما يعني –وفق المصادر، انّ موسكو حسمت قرار الخيار العسكري، ولم تعد ترى حاجة الى التعاون مع انقرة في ادلب.. جاء الحدث الأبرز الذي اماط الّلثام عن جانب هام مما دار بين الرئيسين في سوتشي، ليرفع نسبة جدّية اتخاذ القرار العسكري: موجة استقالات كبيرة بين كبار ضبّاط الجيش التركي دُفعة واحدة!
حذثٌ استوقف الكاتب الرّوسي اليكس سيتنيكوف، الذي سأل في صحيفة "سفوبودنايا بريسّا" الرّوسيّة" ماذا قال بوتين لأردوغان حتى استقال 5 جنرالات و600 عقيد"؟
سيتنيكوف الذي لفت الى سعي كبار الجنرالات الأتراك المسؤولين عن العمليّات العسكرية التركية في سورية الى الإستقالة على خلفيّة العمليات العسكرية المرتقبة في ادلب، توقّف عند ما كشفه متين غوركان في مجلّة المونيتور "نبض تركيا"- والأخير، وفق توصيف سيتنيكوف، شخص مطّلع ويستحقّ رأيه اهتماما خاصّا، وهو عمل في افغانستان وكازاخستان وقير غيزستان والعراق كمستشار عسكري تركي من عام 2002 حتى 2008 .
وبحسب غوركان، فإنّ طلبات الإستقالات الجماعية لكبار الضبّاط الأتراك، الذين وصفهم ب "ذوي خبرة واسعة" وسيرة مهنيّة تؤهّل ترقياتهم، معتبرا انّ هذه الإستقالات –"والتي تُعتبر امرا غير مألوف في التقاليد العميقة الجذور في الجيش التركي-على حدّ تعبيره.. تأتي بناء –على ما يبدو، على طلب بوتين من اردوغان إزالة ستّة مواقع للجنود الأتراك، "وإلا فسوف يواجهون فيها موتا محققا".. ويضيف غوركان "انّ الحديث يدور عن المنطقة الواقعة بين ادلب وسراقب، الأمر الذي سيُمهّد الطريق لقوّات الأسد لمهاجمة ادلب وتحريرها".. وبرأي الكاتب سيتنيكوف، فإنّ استقالة الجنرالات والعقداء الأتراك، هي محاولة لحماية انفسهم من ملاحقة قضائيّة على الهزيمة القادمة في ادلب.
في المقابل، تُدرك موسكو ودمشق انّ اردوغان يريد شراء الوقت والمضيّ في مناوراته قدر الإمكان حيال ادلب حتى موعد الإنتخابات الرئاسيّة التركية عام 2023 .. ابعد من ذلك، يكاد يُجمع محلّلون وخبراء عسكريّون اتراك، على انّ اردوغان لا يعتزم الإنسحاب من المحافظة السوريّة ومن الشمال السوري عامّة مهما كلّف الأمر، لأنه يعتبر انّه بذلك سيُمنى بهزيمة مدوّية تُرخي بتداعياتها الخطيرة على كلّ الساحات الأخرى التي حققت فيها تركيا نفوذا واضحا، رغم رصده امتعاضا لدى كبار قيادته العسكريّة من مواجهة "مفاجآت" اخرى في مسارالمعركة المرتقبة قد لا تكون بحسبان انقرة، على نسق سابقتها، "ومعركة سراقب بالذّات ومفاجآتها القاسية ساعة بساعة على الضباط والجنود الأتراك، لا زالت ماثلة امام أعينهم"..
ونقلا عن الجنرال التركي المتقاعد خلدون سولماز تورك، فإنّ النّكسات الخطيرة التي تنتظر القوات التركيّة هذه المرّة، ستفوق بأضعاف ما مُنيت به هذه القوات بالمعارك السابقة، فالفصائل الحليفة للجيش السوري ستكون الى جانبه في معركة "كسر العضم" في ادلب وقد تجهّزوا جيّدا للمعركة، حتى الرئيس بوتين قد لا يمنحه حبل انقاذ لأيقافها على غرار المرّة السابقة.
وتزامنا مع استمرار المقاتلات الرّوسيّة وراجمات الجيش السوري، بدكّ معاقل المجاميع الإرهابيّة في ريف ادلب، والتركيز النّاري على محيط منطقة جبل الزاوية حيث استقدم الجيش التركي دبّابات وعربات مدرّعة ومدافع ثقيلة، كما أنشأ نقطة عسكريّة جديدة في تلك المنطقة المحاذية لخطوط التماس مع مواقع انتشار الجيش السوري-وفق ما اكدت صحيفة الأخبار اللبنانية، والتي اشارت الى انّ انقرة بادرت الى ادارة "إجراءات تحوّل ميدانيّة" في طبيعة الفصائل المسلحة التابعة لها في ادلب، ودمجها مع مقاتلي جبهة النّصرة استعدادا للمعركة.. باتت جهوزيّة الجيش السوري وحلفائه غير مسبوقة "بانتظار اوامر القيادة العسكرية بإطلاق صافرة البدء بالعمليّات-بحسب مصادر الصحيفة، على وقع اشارة دبلوماسي روسي سابق، الى انّ شهر تشرين الثاني المقبل،"سيكون موسوما بسخونة قصوى في ادلب".
وبين ان يتمّ تحرير "اخر معقل للإرهابيين" في سورية قبل التوجّه شرقا، بعمليّة عسكريّة صرفة، او على مسارَين: بالعمل العسكري، بموازاة العمل السياسي- على حدّ رأي محلّلين وخبراء عسكريّين.. لا يُغفل الدبلوماسي الرّوسي توقّع العديد من كبار الضّباط الرّوس، وصول طلائع الجيش السوري الى عمق المحافظة السوريّة بقترة زمنيّة قد تختزل المدّة المنوطة بالحملة العسكريّة، مرجّحا ان يكون الحدث الأبرز المفاجئ، إطلالة للرئيس السوري وسط جنوده من قلب إدلب.