أشار بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، يوحنا العاشر، إلى "أنني أتوجه إلى رعيتي الحبيبة في لبنان، ولا يسعني إلا أن أخاطب من خلالها كل لبنان، إن الأرثوذكسية لا تعرف نفسها بكليتها إلا بالتواصل مع الآخرِ، مع الشقيق المسلم الذي عشنا معه مواطنين، نحترم إيمانه كما يحترم إيماننا وخططنا معا للمستقبل البعيد بقوة الإيمان وصفاء الرؤيا. نحن مكون رئيسي في هذا الشرق، نعتمد المبادئ الأساسية للمواطنة ولا نخضع إلى تسميات الأكثرية أو الأقلية وذلك أن المبادئ ثابتة أبدا وليست خاضعة لتقلبات الأفكار والمواقف، لبنان بالنسبة الينا سفينة واحدة موحدة لا تنجو ولا تبقى إلا بتضافر جهود كل ركابها من كل الأطياف، وكركاب قارب واحد فمصيرنا واحد".
ولفت، خلال كلمة في ختام أعمال المجمع الأنطاكي المقدس، إلى "أننا نعلي الصوت من أجل الحفاظ على لبنان بلدا للمواطنة والعيش الواحد، ونناشد الدول العربية الشقيقة والمجتمع الدولي العمل على صون استقرار هذا البلد، ودعم مسيرة الإنقاذ فيه، للبنان الحق الكامل في نفطه وفي سائر ثرواته الطبيعية وللبنانيين جميعا الحق أن يكون لهم ممثلوهم الحق في الندوة البرلمانية، نقدر قرار الحكومة اللبنانية الجديدة بإقامة الانتخابات النيابية في موعدها وبالبدء بعملية الإصلاح التي ينتظرها اللبنانيون بشوق".
وأوضح يوحنا العاشر "أننا نثق بشعب لبنان، ونعتبر أن لبنان هو أولا وأخيرا مسؤولية اللبنانيين، وبالأخص مسؤولية المسؤولين عنه سياسيا وإداريا واقتصاديا وماليا، نثق بقدرة اللبنانيين على حكم ذاتهم. وما من حق أحد آخر أن يتدخل، أو أن يتحكم في ما لا شأن له فيه، ولقد اعتدنا في الشرق ومنذ عهد القناصل في القرون السابقة، على تدخل الأمم في شؤوننا الداخلية، لتأمين مصالحها الخاصة على حساب وحدة شعوبنا ووحدة مؤسساتنا ووحدة رؤيانا، نريد للبناننا العزيز أن يكون دولة سيدة حرة مستقلة فاعلة في مجتمعها العربي، رائدة في تطورها الثقافي والحضاري لا منعزلة عنه ولا منفردة فيه".
واعتبر أن "للبنان رسالة في هذا الشرق، وله كموقع للحوار والتقارب، دور مستمر في الحوار المسيحي الإسلامي الذي انطلق في العصر الحديث كبادرة أصيلة في التاريخ العالمي الجديد، بادرة نابعة من الثقة بالنفس، من الأصالة في التاريخ، ومن اليقظة الكبرى لدور العقل في إدارة شؤون المواطنين وتقديم الخدمات التي يستحقها المواطن طبقا لشرعة حقوق الإنسان التي أصبحت النموذج الأمثل لنا في العالم العربي".
ورأى يوحنا العاشر، أن "لنا في تحقيق النموذج الذي يتوق إليه الشباب اللبناني أن ندقق في لبنان، أن نثير كل الأسئلة حوله، أن نعرضه للنقد الذاتي وأن نكشف عن نقاط الضعف فيه حتى نعالجها. هنالك موضوعية جديدة في التعاطي في الشأن العام. هنالك منهجيات جديدة إن في السياسة أو في الإدارة، أو في الاقتصاد أو في الأوضاع المالية، وبالأخص في الشؤون الاجتماعية التي تستدعي الكثير من الجرأة ومن الجهد لننطلق من جديد من النكبة التي وقعنا فيها في هذا المشرق إلى مسار التاريخ الحديث الذي يحدق بنا ويتحدانا إلى الدخول فيه وبروح الإنسانية الكبرى التي تجمعنا".
وأكد على أن "لبنان النموذج في الأذهان، يجب أن يكون المشروع الأول عند اللبنانيين لتثبيت ما هو أصيل فيه ومفيد ولتقويم ما هو معوج، فلا مهرب من مراجعة النفس ومن النقد الإيجابي الذاتي لنعرف ماذا وراء هذا الانهيار الكبير؟ ماذا وراء إشكال تأليف الحكومات؟ ماذا حدث للأولويات حتى أصبحت المصلحة الخاصة طاغية على العامة؟ ماذا حدث للقانون الخلقي الذي يعلو على كل القوانين؟ ماذا عن القواعد الديموقراطية في بناء الدولة الحديثة؟ ولماذا هذا التخلي الخطير عن دور لبنان في المنطقة وفي العالم؟ هذه بعض الأسئلة التي نثيرها ولا شك أن اللبنانيين أنفسهم سيواجهون هذه الأسئلة".
وأشار يوحنا العاشر، إلى "أنني أنتهز المناسبة لأشدد على المبادئ العشر في مقدمة الدستور، وأذكر ههنا بالبند الأول بأن لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد أرضا وشعبا ومؤسسات، في حدوده المنصوص عنها في هذا الدستور والمعترف بها دوليا، وليس هذا المبدأ أقل أهمية من المبادئ التسعة الأخرى، التي اعتبرها اللبنانيون أعمدة الهيكل اللبناني. ويجب أن تنشر هذه المبادئ وتعلم في كل المعاهد اللبنانية لإعطائها الأولوية في بناء الدولة اللبنانية الحديثة. ونعني بالدولة الدولة الديموقراطية الوحدوية المبنية على التعددية والوحدة في التنوع. وهي الأقوى والأفضل".
واعتبر "إن كنا نحن الأرثوذكس طائفة فطائفتنا معروفة أنها لا طائفية ونأسف أن نظرتنا لأنفسنا قد استهجنت واستثمرت سلبا فقوبلنا بالإجحاف الكبير في تمثيلنا في الإدارات الرسمية. نأمل، ونحن لم نزل في النظام القائم، أن تعاد لنا حقوقنا إلى أن نصبح دولة مدنية متطورة جدا كما عبر عنها الشباب اللبناني في ثورته الصادقة والتي، رغم غيابها عن الساحة اللبنانية، حاضرة في ضمير كل لبناني يريد الأمثل لهذا الوطن العزيز".
وأوضح يوحنا العاشر، أن "الآن قد تألفت الحكومة مع مخاض طويل ومعيب أدى إلى تدهور موقع لبنان، في مصاف الدول وأصبح على شفير الهاوية، قد يكون المدخل إلى الحل هو الرجوع إلى الذات اللبنانية، ومحاسبتها على ضوء ما عرفناه في هذا المشرق من قيم سماوية على أساس مبادئ عالمية ثابتة في العدل والمساواة والخلق العالي".