حملت زيارة وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان إلى كلّ من لبنان وسورية. في أولى زياراته الخارجية، بعد روسيا مباشرة، الكثير من الدلالات،لا سيما لناحية المواقف التي أدلى بها عبد اللهيان، والعروض التي قدّمها من ناحية، وتوقيت زيارته المتزامن مع التحوّلات الحاصلة في المنطقة والعالم لمصلحة حلف المقاومة من ناحية ثانية..
أولاً، على صعيد الدلالات؟
1 ـ انّ كلّ من استمع إلى حديث عبد اللهيان، والمواقف التي أدلى بها لا بدّ له أن يخلص إلى نتيجة أساسية وهي انّ هذا الرجل يتميّز بالمناقبية الثورية المتجسّدة بالتزامه مبادئ الثورة الخمينية التحررية في الدفاع عن قضايا وحقوق الأمة والمستضعفين، وفي المقدمة الدفاع عن قضية فلسطين ونصرة شعبها ومقاومته، ورفض المساومة عليهما، وهو ما أكد عليه برفض إيران ـ الثورة، العروض الأميركية بتشريع البرنامج النووي الايراني ورفع كلّ العقوبات المفروضة على إيران، مقابل تخليها عن قضية فلسطين والاعتراف بـ «إسرائيل»… هذا الكلام عندما يقوله رئيس الدبلوماسية الإيرانية من بيروت إنما يعكس مبدئيته في تجسيد خط الثورة الإيرانية التحررية، وانه ابن هذه الثورة التي نشأ وترعرع فيها وتشرّب قيمها الثورية، وانّ اختياره لموقع وزير الخارجية في حكومة الرئيس ابراهيم رئيسي إنما هو رسالة بالغة الدلالة موجهة إلى الولايات المتحدة و»إسرائيل»، بعدم المراهنة على حصول ايّ تبدّل في موقف إيران المبدئي، وانّ إيران في مفاوضات فيينا التي ستستأنف قريباً ستكون أكثر صلابة وتمسكاً بحقوقها وثوابث مواقفها الثورية، وما على واشنطن سوى التسليم بمطالب وشروط إيران اذا كانت تريد العودة إلى الالتزام بالاتفاق النووي وعدم انهياره، لأنّ إيران ليست مستعدة للبقاء بالاتفاق اذا لم يلبّ مطالبها.. وهي باتت مستعدة لكلا الاحتمالين…
2 ـ انّ إيران لا تتخلى عن أصدقائها، قالها عبد اللهيان في لقاءاته مع حلفاء إيران في حلف المقاومة حتى لا يترك مجالاً لأيّ تساؤل، وهذا تأكيد جديد بأنّ إيران الثورة ملتزمة بتعزيز تحالفاتها الاستراتيجية مع دول وقوى المقاومة، وفي الطليعة سورية الأسد والمقاومة في لبنان.
3 ـ انّ إيران جاهزة ومستعدة لترجمة عروضها لمساعدة لبنان في حلّ أزماته بإقامة معملين للكهرباء بقدرة 2000 ميغاوات، وإقامة مترو أنفاق في بيروت، وبيع لبنان النفط ومشتقاته بالليرة اللبنانية إضافة إلى المواد الغذائية والأدوية.. هذه العروض التي قدّمها عبد اللهيان أكملها باستعداد إيران لتنفيذها عبر شراكة بين رجال أعمال لبنانيين وإيرانيين لتجنيب لبنان العقوبات الأميركية، على غرار الطريقة التي تمّ فيها استيراد المشتقات النفطية.. وفي نفس الوقت فإنّ هذه العروض توفر سلاحاً مهماً للحكومة اللبنانية لمخاطبة الدول الغربية التي تدّعي أنها تريد مساعدة لبنان، بأنّ عليها ان تقدّم أقله عروضاً مماثلة للعروض الإيرانية، إذا لم يكن أفضل منها، وإلا اتركونا نقبل هذه العروض واستثنونا من العقوبات كما استثنيتم العراق إلخ…
ثانياً، على صعيد التوقيت
1ـ انّ زيارة الوزير عبد اللهيان جاءت في توقيت بدأت فيه المنطقة والعالم يدخلان في مرحلة جديدة سمتها تقدّم حلف المقاومة بعد الانتصارات التي حققها في مواجهة الحروب الأميركية “الإسرائيلية” المباشرة وغير المباشرة، وتنامي قوة حلفائه الدوليين روسيا والصين مقابل تراجع الهيمنة الأميركية وقوتها الاقتصادية والعسكرية.. والذي عكسه الهروب الأميركي من أفغانستان بعد عشرين عاماً على احتلاله من دون النجاح في تحقيق الأهداف الأميركية… ولهذا جاءت الزيارة للتأكيد على أهمية هذه التحوّلات التي تصبّ في مصلحة حلف المقاومة وكلّ من روسيا والصين.
2 ـ انّ واشنطن تقف عاجزة أمام إيران التي نجحت في إحباط كلّ الخطط الأميركية لإخضاعها لشروطها.. وتمكّنت من كسر الحصار الاقتصادي وتعزيز اقتصادها المنتج، وبناء قوة عسكرية رادعة للعدوانية الأميركية.. وتطوير برنامج إيران النووي.. ولهذا جاءت زيارة عبد اللهيان في سياق التأكيد على تنامي قوة الجمهورية الإسلامية الذي يصبّ في مصلحة تعزيز قوة حلف المقاومة..
3 ـ انّ عبد اللهيان هدف أيضاً من خلال زيارته التأكيد على تصميم حلف المقاومة على استكمال انتصاراته وترسيخها لا سيما في مرحلة بدأ فيها الأميركي يبحث عن تحديد خسائره وإيجاد المخارج لتنظيم تراجعه لحماية نفوذه في المنطقة من التداعيات السلبية لتراجعه وفشل حروبه.. وفي هذا السياق شدّد على انّ القوات الأميركية ستنسحب من العراق.. وطبعاً هذه إشارة واضحة إلى قرار حلف المقاومة بإجبار قوات الاحتلال الأميركية على الرحيل عن غرب آسيا، وفي المقدمة العراق وسورية..
خلاصة القول انّ زيارة الوزير عبد اللهيان إنما جاءت لتؤكد على استمرار الثورة الإيرانية في نهجها التحرري، ووفاء إيران لحلفائها والاستعداد لتقديم ما تستطيع من إمكانيات لدعمهم ومساعدتهم على التخلص من الابتزاز الأميركي وكسر حصاره وكشف نفاق الغرب وزيف ادّعاءته بمساعدة لبنان على الخروج من أزماته التي تسبّب بها ولا يزال لأجل إخضاعه لشروطه، تحت عناوين خادعة تتحدث عن ربط إقراض لبنان، وليس مساندته، بالإصلاحات التي يشترطها صندوق النقد الدولي الذي تهيمن عليه أميركا وحلفاؤها في الغرب.