دخل لبنان فعلياً مدار «التناتش» الاقليمي والدولي بعدما أصبح «لا حول له ولا قوة» وغير قادر على التفاوض مع أي جهة بشكل طبيعي، أي من الند للند، وبات ينتظر ما يُعرض عليه بحجة مساعدته للخروج من أزماته.
وبالرغم من زحمة الموفدين الدوليين والعروضات التي يحملونها والتي تأتي في غالبيتها لخدمة مصالحهم لا مصلحة لبنان، فإن أي عمل جدي وواضح لم يتم حتى الساعة، وإن كل ما يقال من هنا أو هناك ما زال مجرد كلام في الهواء لا يسمن ولا يغني من جوع، وهو لا يتعدى خط الكباش القوي الواقع بين قوى الشرق والغرب بغية تحقيق مكاسب دولية على أرض لبنان الذي وصل إلى مرحلة لفظ الأنفاس الأخيرة.
ووفق المعطيات والمعلومات المستقاة من اكثر من جهة، فإن الوضع الاقتصادي والمالي القائم حالياً في لبنان، قابل للتفاقم والتأزم اكثر مع قابل الأيام، وإن كل ما يحكى عن معالجات لا يعدو كونه من باب التطمينات وضخ بعض التفاؤل بغية تهدئة الشارع وعدم انفلاته في وجه الحكومة،وتعزوا هذه المعلومات الخشية من استمرار تدهور الوضع في المرحلة المقبلة إلى كون أن أي من الملفات التي كانت سبباً بوصول لبنان إلى ما وصل اليه لم تتم مقاربتها حتى الساعة بشكل فعلي وجدي وأن كل ما يجري هو مجرد ترقيع بانتظار حصول حلحلة ما على طاولة التفاوض التي تجري خلف البحار بين أكثر من طرف معني بالشأن اللبناني، وهو ما يعني أن المراوحة القاتلة ستبقى هي السائدة على المشهد اللبناني بانتظار حصول متغيرات جوهرية على المسرح الاقليمي الدولي.
توجه حكومي لتكثيف الاجتماعات والتواصل مع الخارج لمقاربة الملفات ومعالجة ما أمكن لتحقيق هدف نيل المساعدات
ومن هنا فإن المسؤولين اللبنانيين يقفون الآن على رصيف انتظار حلول هذه المتغيرات التي تأتي في مقدمتها متغيرات ما على خط التفاوض الايراني – السعودي والذي يقال ان المفاوضات فيه قد تجاوزت مرحلة الجمود والمراوحة إلى رحاب التقدم البطيء الذي يعوّل أن يُزخّم في الأسابيع المقبلة بعدما أبدى الطرفان السعودي والايراني رغبة في اعادة مياه العلاقات الطبيعية إلى مجاريها بينهما إلى جانب ما يكشف عن حصول تواصل بين الطرفين على ارض العراق بين وقت وآخر والتي ربما تتحوّل إلى مفاوضات علنية في وقت قريب بعد الانتهاء من التفاهم على الخطوط العريضة من اساس المشكلة الموجودة بينهما. والى جانب التفاوض الايراني – السعودي، هناك الملف النووي الذي هو إن أنجز سيرتد إيجاباً على العديد من الملفات في الشرق الأوسط، وسيكون لبنان المستفيد الأبرز من هذا الاتفاق إن طوي الخلاف بين الجانبين في المدى المنظور.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل على لبنان الذي يقف على عتبة الانهيار الكامل أن يبقى منتظراً الإشارات التي يمكن ان تصل اليه عن طريق هذه الملفات ليقوم بما يتوجب عليه؟
مصادر سياسية عليمة تؤكد ضرورة ألا يبقى لبنان في حالة انتظار، وأن عليه أن يلاقي هذه التطورات المنتظرة من خلال القيام برزمة خطوات إصلاحية وإجرائية على المستويات كافة ليكون محصناً حيال أي رياح خارجية مهما كان نوعها، وإلا سيكون في طليعة الدول التي عادة ما يتوجب عليها دفع اثمان اي تسويات دولية، وأن عليه التعامل مع هذا الواقع على قاعدة «عند الخلافات الدولية احفظ رأسك» وحفظ هذا الرأس يكون من خلال ترتيب البيت الداخلي وتسوية النوافذ المشلّعة تجنباً لأي عواصف عاتية من شأنها أن تطيح بكل شيء.
وتلفت المصادر أن أمام لبنان اليوم فرصة أخيرة للإنقاذ، إن هو أحسن التعامل معها نجا، وإن هو أخفق تلاشى وانتهى، وأن ما يبعث على التفاؤل هو أن كل الاطراف في لبنان يعون هذه الأمور، وأنهم على علم بأن أي دعسة ناقصة في الهواء سيكون ثمنها باهظاً جداً.
من هنا ترى هذه المصادر أن الموفدين الدوليين يجب أن يسمعوا من المسؤولين اللبنانيين لغة واحدة إن على مستوى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، أو على مستوى ترسيم الحدود، أو على مستوى ما يمكن أن تقدمه هذه الدول من مساعدات لمعالجة الأزمات الموجودة، ولا سيما ملف الكهرباء والمحروقات، لكي لا يظهروا في مظهر المنقسم على نفسه والضعيف، فعناصر قوة لبنان موجودة في وحدة موقفه، وأن هذا الأمر يجعل لبنان قادراً على التفاوض حيال أي أمر، من دون أن يكون مجبراً على تقديم أي نوع من التنازلات التي تمس وحدته وثوابته الوطنية.
وتنقل هذه المصادر عن أحد الوزراء أن الحكومة عازمة وبالرغم من عمرها القصير على تحقيق انجازات على مستوى معالجة الملفات المفتوحة، وهي أخذت قراراً بتكثيف الاجتماعات ورفع وتيرة الاتصالات مع الخارج لتحقيق الهدف المحدد وهو الخروج الفعلي من الأزمة بغض النظر عن الوقت الذي سيستغرق لذلك، موضحة أن لبنان سيكون مع قابل الأيام قبلة للعديد من الموفدين الذين ترغب دولهم في الوقوف على حقيقة الأزمة الموجودة، وما يمكن القيام به لمساعدة لبنان، إنما تحت عنوان الشروع في الإصلاحات قبل أي شيء آخر وهذا ما ستقوم به الحكومة بالفعل لإسقاط أي حجج لأي دولة تريد فعلاً مد يد المساعدة للبنان.