ركّز مرجع حكومي سابق، لصحيفة "الشرق الأوسط"، على أنّ "الخلل في تطويق التداعيات المترتّبة على جرّ البلد إلى فتنة مذهبيّة وطائفيّة، يكمن في غياب المرجعيّة السياسيّة القادرة على إعادة قطع الطريق على إقحام البلد في دورة من العنف، بعد أن تخلّى رئيس الجمهوريّة ميشال عون، عن دوره الجامع بين اللبنانيّين، والقادر على التوفيق بين جهات النزاع". وكشف أنّ "الرئيس عون تصرّف وكأنّه لا يزال يتزعّم "التيار الوطني الحر"، ولا همّ له سوى الإبقاء على وريثه السياسي النائب جبران باسيل، على رأس السباق إلى رئاسة الجمهورية".
ولفت إلى أنّ "عون أَقحم نفسه في لعبة تصفية الحسابات ضدّ من لا يؤيّده، ودخل في اشتباك سياسي مع أبرز القيادات في الشارع السنّي، وحاول تطويع "الحزب التقدمي الاشتراكي"، والاعتماد على فائض القوّة الّذي يتمتّع به حليفه "حزب الله" لمحاصرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري"، مؤكّدًا أنّ "عون أقحم نفسه في صراع سياسي بالنيابة عن باسيل ضدّ حزبَي "القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية".
وسأل المرجع الحكومي، "هل جميع القوى السياسيّة الّتي اشتبك معها عون، كانت على خطأ باستثناء حليفه الأوحد "حزب الله"؟ ولماذا لم يحرّك ساكنًا حيالها للتحاور معها، بعد أن انقطع عن التواصل مع كلّ هؤلاء، ولم يبقَ للاحتكاك بهم سوى الفريق السياسي المحسوب على باسيل الّذي أودعه في القصر الجمهوري، إضافةً إلى مسؤولي "حزب الله" الّذين يتردّدون عليه من حين لآخر، ويصرّون على مراعاته إلى أقصى الحدود".
وغمز من قناة عون، متّهمًا إيّاه بأنّه "وضع كلّ أوراقه في سلّة "حزب الله"، وأتاح لصهره الاستقواء بمؤسّسات الدولة وإداراتها، واستخدامها لتعزيز نفوذه، وهذا ما تسبّب له بإحراج من قبل خصوم باسيل، الّذي اشتبك معهم الواحد تلو الآخر من دون أن يبادر عون إلى وقف تماديه لجهة الاستقواء به". ورأى أنّ "انحياز عون لمصلحة "حزب الله" كان وراء اشتداد الحصار العربي والدولي على لبنان، بعد أن انقلب حامي الدستور ورمز وحدة البلد على سياسة النأي عن الحروب المشتعلة في المنطقة، والابتعاد عن سياسة المحاور، بدلًا من إلحاقه بمحور الممانعة بقيادة إيران".
كما تساءل: "هل يُعقل لرئيس البلاد بعد العاصفة الدمويّة الّتي كادت تشعل فتنةً مذهبيّةً، أن يكتفي بتوجيه رسالة إلى اللبنانيّين لم تفعل فعلها في تطويق التوتّر والتصعيد السياسي، أو في اتصاله ببرّي وبرئيس "القوّات اللبنانية" سمير جعجع، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وقادة الأجهزة العسكريّة والأمنيّة؟".
وسأل المرجع أيضًا: "ما الجدوى من هذه الاتصالات، ما دام منقطعًا عن التواصل باستمرار مع القوى السياسيّة جمعاء، ولم يعد يشغل الموقع الّذي يتيح له الدعوة لعقد مؤتمر للحوار الوطني بعد أن حاول مرارًا لكنّه لم يفلح، لأنّ ما كان يهمّه تأمين جلوس باسيل على الطاولة إلى جانب خصومه؟"، مبيّنًا أنّ "تطويق الفتنة ومنع تمدّدها لا يكون بإصدار البيانات وإعطاء التوجيهات، الّتي هي في حاجة ماسّة إلى مؤونة سياسيّة لتشكّل رافعةً لإنقاذ البلد من براثن الفتنة".
وشدّد على أنّ "عون نزع عن شخصه الدور التوفيقي الموكل إلى رئيس البلاد"، سائلًا: "ألم يحن الوقت ليراجع حساباته، ليكتشف أنّه فرّط بأوراق القوّة الّتي تتيح له التموضع في الوسط بين جهات النزاع، ليكون في مقدوره تقريب وجهات النظر وصولًا إلى تعزيز المشاركة، بدلًا من إقصاء هذا أو ذاك، أو الاقتصاص من الّذين لا يدينون بالولاء لباسيل؟".
وأشار إلى أنّ "افتقاد عون لدوره الحواري والجامع لم يكن نتيجة لمؤامرة، وإنّما لجنوحه نحو السلطويّة المطلقة، رافضًا إشراك الآخرين، وهذا ما يفسّر اشتباكه مع جميع رؤساء الحكومات السابقين"، مركّزًا على أنّ "الحكومة الميقاتيّة محاصرة الآن، وباتت فاقدة للقدرة على تجاوز ما أصابها، ويحول الآن دون عقد مجلس الوزراء، وهذا ما ينعكس سلبًا على مواصلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، الّذي ينتظر نهاية المواجهة بين "الثنائي الشيعي" والمحقّق العدلي القاضي طارق البيطار".
إلى ذلك، ذكر المرجع نفسه أنّ "رؤساء الحكومات السابقين أصرّوا في بيانهم الأخير على مبدأ الفصل بين السلطات، وعدم التدخّل في شؤون القضاء، وتهديد القضاة"، موضحًا أنّهم "كانوا على صواب عندما دعوا إلى تشكيل لجنة تحقيق دوليّة في انفجار المرفأ، لأنّ الأخذ بها سيوفّر الحماية للسلم الأهلي، ويبعد التحقيق عن الاستنسابيّة، لو أنّ عون تدارك الأمر والتزم بتطبيق الدستور ومراعاة القوانين، في موازاة عدم ذهاب البيطار بعيدًا في اجتهاداته الدستوريّة الّتي طالت فريقًا من المدّعى عليهم دون الآخري؛ لأسباب لا يمكن تبريرها".
وحذّر من "الخطورة المترتّبة على ترك البلد يواجه بمفرده مصيره، في ظلّ ارتفاع التوتّر الطائفي والمذهبي، الّذي يمكن أن يستهدف خطوط تماس أخرى"، لافتًا إلى أنّ "المجتمع الدولي، وإن كان يضع لبنان تحت المراقبة الشديدة على خلفيّة إصراره على مواصلة التحقيق، ورفض تنحية البيطار، فإنّه قد يتجّه إلى ربط التزاماته بمساعدة لبنان بالإفراج عن استكمال التحقيق، وهذا يضع الحكومة أمام مرحلة جديدة لإدارة الأزمة، بدلًا من الانتقال بالبلد إلى برّ الأمان على طريق التعافي".