لفتت رئيسة "الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية" كلودين عون، إلى أنّه "ليس من السهل العمل على صنع السلام. فالعلاقات البشريّة هي أكثر الأحيان علاقات تنافس تصل أحيانًا إلى حدّ التصادم، ويعلّمنا التاريخ أنّ فترات السلام كانت على مرّ العصور، أقلّ من فترات الحروب. وعلى مرّ العصور أيضًا، تكبّدت المجتمعات المدنيّة معظم الخسائر الّتي نتجت عن عنف الحروب".
وأشارت، خلال رعايتها دورة تدريبيّة عقدتها منظّمة المرأة العربية وهيئة الأمم المتحدة للمرأة بالتعاون مع دولة اليابان، حول "إدماج النوع الاجتماعي في الوساطة ومفاوضات السلام" تمتدّ على ثلاثة أيّام، إلى "أنّنا في عالمنا العربي، نعيش باستمرار في حالات نزاع متنوّعة في طبيعتها، منها نزاعات دوليّة ومنها أيضًا نزاعات داخليّة لا تقلّ عن الأولى قساوةً وحدةً وإنتاجًا للمآسي وللخسائر".
وبيّنت عون "أنّنا حتّى في فترات السلام، نعيش نزاعات داخل مجتمعاتنا، تتجلّى في الصعوبة الّتي نلمسها كلّ يوم، في انتظام العمل داخل مؤسّساتنا العامّة كما الخاصّة. ميزة أخرى يتشارك بها عالمنا العربي هي، أنّ دولنا بدرجات متفاوتة، هي من بين الدول الّتي تسجّل في العالم أدنى المؤشّرات الدالّة على مشاركة النساء في صناعة القرار".
وأوضحت أنّ "الخروج من هذا الواقع ليس بالأمر المستعصي، فقد أثبتت المجتمعات العربيّة أنّها قادرة على النهوض مجدّدًا، وحقّقت في السنوات الأخيرة تقدّمًا ملحوظًا من نشر التعليم لدى أبنائها وبناتها، ورفع نسبة تحصيلهم لأعلى مستوياته. وفي مجالات علميّة واقتصاديّة وسياسيّة وفنيّة، أثبتت النساء العربيّات قدراتهن على تحقيق النجاح، وعلى رفع اسم أوطانهن عاليًا، وهن مدعوّات اليوم إلى مواجهة الصعوبات الّتي تعيق تطور بلدانهن".
وفسّرت أنّ "من هذه الصعوبات، تلك الّتي تنتج عن ارتباك آليّة عمل المؤسّسات، أو عن نشوب خلاف في وجهات النظر بين فريقين، وذلك في النطاق الداخلي كما على النطاق الدولي. وتجدر الملاحظة هنا، إلى أنّ النساء يتمتّعن بحكم تولّيهن في معظم الحالات أمر تنشئة الأولاد في الأسرة، بتميُّز على الرجال بالنسبة إلى القدرة على الإنصات للمواقف المختلفة، وبالنسبة إلى الخبرة في تقريب وجهات النظر".
كما ركّزت عون على أنّ "القرار 1325 لمجلس الأمن في الأمم المتحدة أتى ليلقي الضوء على الدور الّذي ينبغي أن تقوم به النساء، في السعي إلى حلّ النزاعات، وليذكّر بأنّ مسؤوليّة مجلس الأمن الأساسيّة هي حفظ السلام والأمن الدوليّين. فمنظمة الأمم المتحدة هي في الأصل مؤسّسة رمى إنشاؤها إلى تجنب الإنسانيّة ويلات الحروب". وذكرت أنّ "بعد مرور اثنين وخمسين عامًا من عمر هذه المنظّمة، وتنامي الوسائل التدميريّة للحروب واشتداد وطأتها على المجتمعات الّتي تخوضها، وخاصّةً على مكوّناتها غير المشاركة في القتال ومن بينها النساء، وفي ظلّ تناقض هذا الوضع مع التقدّم الّذي أحرزته النساء في إثبات قدراتهن على اتخاذ المبادرات وعلى القيادة، كان لا بدّ من تطوير المفاهيم الخاصّة بسبل السعي إلى حلّ النزعات".
وأفادت بأنّ "في خريف العام 2019، اعتمدت الحكومة اللبنانية الخطّة الوطنيّة لتطبيق القرار 1325، الّتي تعمل الهيئة الوطنيّة لشؤون المرأة اللبنانيّة حاليًّا على تنسيق الأعمال لتنفيذها. أوردت الخطة من بين أهدافها الإستراتيجيّة زيادة مشاركة المرأة في صنع القرار على جميع المستويات، ومن المجالات الّتي تناولتها قطاعَي الأمن والدفاع، ودور المرأة القيادي في الحياة السياسيّة والعامّة. كذلك أوردت الخطة ضمن أهدافها منع نشوب النزعات، وذلك عبر تعزيز الحوار وبناء الثقة وزيادة مشاركة المرأة في عمليّات صنع القرار المتعلّقة بتسوية النزاعات".
إلى ذلك، شدّدت عون على أنّ "وقوع أحداث، كالأحداث الأليمة الّتي جرت مؤخّرًا في بيروت، يذكّرنا بضرورة العمل باستمرار ودون كلل، على إيجاد الأطر المؤسّساتيّة المناسبة وعلى اعتماد سبل في العمل تكون مؤاتيه للحفاظ على العلاقات السلميّة داخل المجتمع. في مثل هذا الوضع، للنساء صاحبات القرار في مؤسّسات الدولة كما في المؤسّسات الحزبيّة وفي منظّمات ومؤسّسات المجتمع المدني وفي الإعلام بشتّى وسائله. كما للنساء الناشطات في وسائل التواصل الاجتماعي، دور كبير، لهن أن يقمن به في تهدئة الخواطر لتجنّب تجدّد الصدامات". ولفتت إلى أنّ "هذا ليس بدور سهل، والقيام به يتطلّب تعمّقًا في استيعاب مفاهيم العدالة واحترام حقوق الإنسان وعدم انتهاك الدساتير والقوانين، كذلك يتطلّب القيام بهذا الدور اعتماد نهج معيّن في التصرّف وفي التعامل، كما يستدعي نشر ثقافة احترام المواثيق والقوانين واحترام الآراء المغايرة".