منذ يوم الخميس الماضي، الذي تحوّلت معه مستديرة الطيونة الفاصلة بين الشياح وعين الرمانة، إلى "ساحة حرب"، وأعادت إلى أذهان اللبنانية صورًا "مؤلمة" من تاريخ اعتقدوا أنّه "ولّى إلى غير رجعة"، يبدو "التصعيد" سيّد الموقف، في ظلّ مشهدٍ سياسيّ "متشنّج"، زادت الأحداث في "تعقيداته" السابقة لها بطبيعة الحال.
في الأيام الماضية، عاد "التراشق" بين القوى السياسية إلى الحدّ الأقصى، وبدت المواجهة "في أوجها" بين "حزب الله" و"القوات اللبنانية"، التي اتهمها الأول صراحةً بالوقوف خلف "الكمين" الذي نُصِب لأنصاره الخميس، وأدّى إلى مقتل عدد منهم، وقرّر رفع السقف في وجهه، هو ما برز في تصريحات عدد من قياداته، التي تراوحت بين "غدر القوات" و"المجزرة الدموية"، وصولاً إلى "العدوان الإجرامي".
أما "القوات" التي خرج بعض نوابها في ذروة "اشتعال الشارع"، ليشدّ على أيدي من وصفهم النائب عماد واكيم مثلاً بـ"اللبنانيين الأحرار" الذين يواجهون "حزب الله"، قبل أن يعلن رئيسها سمير جعجع صراحةً أنّ ما حصل هو "ميني 7 أيار، لكن مسيحي هذه المرّة"، فتردّ على تصعيد الحزب بتصعيد مضاد، حيث تتّهمه فيه بابتداع "عدوّ خياليّ"، وتدعوه إلى انتظار نتائج التحقيقات كاملة، حتى يُبنى على الشيء مقتضاه.
لكن، بين هذا وذاك، أيّ أفق للمواجهة المتفاقمة بين الجانبين، بعد "هدنة سياسيّة" استمرّت طويلاً؟ إلى أيّ مدى يمكن أن يمضي الفريقان في "تصعيدهما" المستجدّ، والذي قد تكون له حساباته "الانتخابي"؟ وماذا لو "انزلقت" الأمور إلى ما لا تُحمَد عقباه، وتحوّلت المواجهة عسكرية، رغم تأكيد "حزب الله" في كل بياناته، على رفض "الانجرار" إلى الحرب الأهلية، التي يتّهم الآخرين بالسعي إليها "على المكشوف"؟.
الأكيد، وفق ما يقول المتابعون، أنّ "التهدئة" ليست في القاموس السياسيّ حاليًا، وتحديدًا من جانب "حزب الله"، الذي يصرّ على أنّ ما بعد "الخميس الأسود"، كما يصفه، لا يمكن أن يكون كما قبله، لا في العلاقة مع "القوات اللبنانية" التي انفجرت عن بكرة أبيها، ولا في مقاربة الملفّات الخلافيّة "الملغومة"، وعلى رأسها التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، و"مصير" المحقق العدلي القاضي طارق البيطار.
ثمّة في هذا السياق من يقول إنّ أحداث الخميس زادت في "تصلّب" الحزب إزاء البيطار، وإنّه ما عاد يقبل بمنطق "التسوية" في معالجة الملف، وأنّ "رأس" البيطار بات مطلوبًا بالنسبة إليه، بمعنى أنّ "تنحيته" عن الملفّ، واستبداله بقاضٍ آخر، هي "مفتاح" خارطة طريق الحلّ، رغم كلّ العقبات والمحاذير القانونية واللوجستية والسياسية، فضلاً عن التداعيات المحتملة لمثل هذه الخطوة على الحكومة والاستقرار.
لكن، بمُعزَلٍ عن هذا الملفّ، يقول العارفون بأدبيّات "الحزب" إنّ الأخير لن يقبل بتمرير ما حصل يوم الخميس دون "أثمان تُدفَع"، وهو كان واضحًا بدعوة الدولة إلى المبادرة والقيام بدورها على هذا الصعيد، عبر توقيف المتورّطين بـ"كمين الطيونة"، وإنزال أقصى العقوبات بحقّهم، علمًا أنّ الحزب لم يوفّر الأجهزة الرسمية من انتقاداته "المُبطَنة"، كما فعل النائب حسن فضل الله الذي ألمح إلى "مسؤولية" للقوى الأمنية عمّا حصل.
في المقابل، تصرّ "القوات اللبنانية" على أنّ الحزب "يخترع المشكل"، للهروب من جوهر "أزمته الحقيقية" مع حلفائه قبل خصومه، وهي تعتبر أنّ الحزب يرى أنّ "القوات" هي "اللقمة السائغة الأسهل" للمواجهة، في حين أنّ مشكلته الحقيقية ليست معها، بل مع شركائه في الحكومة، وعلى رأسهم "التيار الوطني الحر"، الذين يرفضون حتى الآن "الخضوع لأوامره" بعزل المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت.
ويعتبر المحسوبون على "القوات" أنّ فكرة تنظيم التظاهرة من جانب قيادة "حزب الله" يوم الخميس الماضي، كانت "لعبًا بالنار"، ولو جاءت تحت شعار "حق التعبير عن الرأي" المكفول دستوريًا، ولو أنّ الحزب هو من "يتصدّى" في العادة. ويشيرون إلى أنّه تحت ستار هذا الحقّ، كان واضحًا أنّ الحزب يبحث عن "المشكل"، وأنّه أراد "افتعاله"، وهو ما يفسّر أصلاً "اجتياح" مناصريه لمنطقة عين الرمانة، وإطلاق الشعارات "الاستفزازية" لأهلها.
ويذكّر هؤلاء بالسياق الذي جاءت فيه تظاهرة الحزب، التي بدت بمثابة "الورقة الأخيرة" بيده في "المعركة" ضدّ المحقق العدلي، التي كان الأمين العام للحزب أطلقها، فالخيارات القانونية كانت قد استُنفِدت، مع رفض المحاكم المعنيّة كلّ الشكاوى للإطاحة بالقاضي، ما دفع "حزب الله" إلى اللجوء للحكومة، ليصطدم بمعارضة سياسية قانونية، على اعتبار أنّ "لا صلاحيّة" أصلاً لمجلس الوزراء لاتخاذ قرار من هذا النوع.
وبين هذا وذاك، تبقى المخاوف "مشروعة" من انزلاق المعركة بين الجانبين إلى "مواجهة عسكرية" خصوصًا أنّ تصعيد "حزب الله" يُقابَل بردود "نارية" من جانب مسؤولي "القوات اللبنانية"، الذين يتعهّدون بقيادة "المشروع المناهض" للحزب بالوكالة عن إيران، وفق ما يقولون، والذين خرج منهم من يدافع أصلاً عن أحداث الخميس، ويضعها في إطار هذه المواجهة التي تبدو لكثيرين وكأنّها باتت "حتميّة".
لكن، على الأرض، لا شيء يوحي بقرار بـ"تسخين" الشارع، إذ إنّ المواجهة تبقى، حتى إشعار آخر، محصورة بالقنوات السياسية والإعلامية والشعبيّة، وهو ما تؤكده قيادات "حزب الله"، التي تعمّدت في كلّ تصريحاتها حتى الآن، إعلان رفض "الانجرار" إلى مشروع الحرب الأهلية، وهو قرار يُعتقد أنّه "مشترك" بين مختلف القوى السياسية التي اختبرت بمعظمها الحرب سابقًا، وتدرك حجم "ويلاتها".
إلا أنّ الخشية الأكبر تبقى من "تداعيات" التسخين في السياسة على الشارع، حيث يدرك القاصي والداني إنّ النار متى اشتعلت، قد لا يعود سهلاً إخمادها أو إطفاؤها. وإذا كان "حزب الله"، بالتنظيم الذي يمتلكه، قادرًا على "ضبط" شارعه، فإنّ الواقع أنّ الشارع ليس ملكه وحده، وأنّ أيّ "تفلّت أمني" يمكن أن يحصل ستكون له تدعياته، خصوصًا أنّ "الفوضى تجرّ فوضى"، والبلد قد يكون بغنى عن أزمة أمنية تضاف إلى سجلّ أزماته التي لا تنتهي!.