لا يمكن فصل حادثة الطيونة عن سياق عام، كان أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله أبرز من تحدث عنه في خطابه أول من أمس، أيّ الرغبة في جرّ لبنان إلى الحرب الأهليّة بقرار إقليمي ودولي، الأمر الذي يمكن ربطه بالمواقف السعوديّة المتعددة التي تتناول الأحداث اللبنانيّة.
في شهر آب الماضي، اعتبر وزير الخارجية السعوديّة فيصل بن فرحان، في كلمة أمام مؤتمر باريس لدعم لبنان، أن "إصرار حزب الله على فرض هيمنته يمثل السبب الرئيسي لمشاكل لبنان"، وحث السياسيين اللبنانيين على "مواجهة سلوك الحزب"، الأمر الذي فُسّر حينه على أساس أنه رسالة من جانب الرياض إلى القوى السياسية المحليّة، مفادها أن أيّ مساعدة خارجيّة مرتبطة بهذه المواجهة التي تريدها.
يوم الجمعة الماضي، أشار وزير الخارجية السعوديّة، الذي كانت بلاده تعتمد سياسة النأي بالنفس عن الملف اللبناني، أن أحداث الأيام الماضية أظهرت أنّ لبنان بحاجة إلى تغيير حقيقي وجادّ، لافتاً إلى أنّ المسؤوليّة في هذا المجال تقع على عاتق الزعماء، الأمر الذي يمكن فصله، بحسب ما تؤكد مصادر متابعة لـ"النشرة"، عن رسالة بن فرحان الماضية، أيّ أن المطلوب قلب المعادلة السياسية في البلاد.
وتشير المصادر نفسها إلى أنّ هذا الواقع يتأكد من خلال الرسائل السعوديّة غير المباشرة، التي يجري التداول بها في الأوساط اللبنانيّة، التي تتحدث أن الرياض تعتبر رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع هو حليفها الأول على الساحة المحلّية، بينما هي لم تعد تضع أيّا من الزعماء السنة في هذا الموقع، نظراً إلى تجنبهم الدخول في تلك المواجهة، بدليل موقفهم من ملفّ تشكيل الحكومة في الماضي، حيث السعي الدائم إلى التفاهم مع "حزب الله"، خوفاً من جرّ البلد إلى أيّ توتر مذهبي جديد.
إنطلاقاً من ذلك، تقرأ هذه المصادر الزيارة التي قام بها الوزير السابق أشرف ريفي إلى معراب، أول من أمس، معتبراً أن "هدفها التأكيد مع "القوات" والقوى السيادية كافة على وحدة الموقف والأهداف، التي باتت مختصرة بقضية واحدة: تحرير لبنان من "الاحتلال الإيراني" الذي أوصله الى الانهيار"، الأمر الذي تؤكد أنه لا يمكن الإستهانة به بأي شكل من الأشكال، نظراً إلى أن تداعياته كبيرة في الساحة السنية.
في هذا السياق، تشير المصادر السياسية المتابعة إلى أن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، المرشح الأبرز لرئاسة الحكومة من قبل "الثنائي الشيعي"، قد يكون هو المتضرّر الأول من حادثة الطّيونة، في ظلّ الإتهامات التي توجّه إليه، من قبل بعض حلفاء السعوديّة المتشدّدين، بأنه هو من يرفض الدخول في المواجهة مع الحزب، بينما هم يعتبرون أنّ المسؤولية تقع عاتقه، نظراً إلى أنّ أيّ تحرك لا يمكن أن ينطلق من دون غطاء المكوّن السني في البلاد.
مكمن الضرر، من وجهة نظر هذه المصادر، هو أنّ هناك من سيخرج داخل البيئة السنّية ليقول لرئيس الحكومة السابق أنّ هذه المواجهة ليست مستحيلة، بدليل ما حصل في الطيّونة، لا سيما أنّ "القوات" لم يتراجع أمام الحملة السّياسية والإعلاميّة التي شنّت ضدّه من قبل "حزب الله"، وبالتّالي لم يعد من الوارد أن يبقى هو على "الحياد" أو يصرّ على رفضه هذا الخيار.
في المحصّلة، تجزم المصادر نفسها أنّ هذه الحادثة ستكون عنواناً أساسياً في المعركة الإنتخابيّة داخل البيئة السنّية وليس فقط المسيحيّة، حيث سيظهر من سيسعى إلى المزايدة على الحريري في مواقفه، الأمر الذي كان قد بدأ منذ أشهر، على قاعدة رفض التسويات التي يقوم بها مع "حزب الله"، تحت عنوان حماية السلم الأهلي.