ثمة من يرى من المتابعين للمسار السياسي القائم حالياً، أن عقبات جمة ما تزال تعترض سبل الولوج إلى معاجلة الملفات الملتهبة والتي تشد يوماً على عناق اللبنانيين، لا بل إن هؤلاء يتوجسون خيفة من أن يتفاقم الوضع على المستويين الاقتصادي والمعيشي أكثر مع قابل الايام في ظل احجام المجتمع الدولي عن مساعدة لبنان والتي يربطها بتنفيذ رزمة الإصلاحات التي يطلبها والتي يريد ان يراها بأم العين أصبحت واقعاً وليس مجرّد حبر على ورق أو وعود يرى فيها بأنها «عرقوبية».
وفي تقدير هؤلاء ان المرحلة الفاصلة عن الموعد المفترض فيه اجراء الانتخابات النيابية ستكون حبلى بالصراعات السياسية والخطابات المتوترة على أكثر من جبهة، وأن مناخات هذه المرحلة لا تطمئن لا بل تبعث على الخوف من ان تذهب الأمور في مسارات أخرى تتعدّى المواقف والخطابات على المنابر أقل ما ينشأ عنها انفلات الشارع حتى عقاله، وما جرى في منطقة الطيونة الخميس الفائت أبلغ دليل على ما يمكن ان يحصل في المستقبل في حال بقي الخطاب السياسي على تشنجه.
ويعرب هؤلاء عن اعتقادهم انه لولا تحكيم العقل في اللحظات الأخيرة خلال اندلاع المواجهة الدامية على خط النار بين الشياح وعين الرمانة، لكان البلد وقع بما لا يُحمد عقباه، غير ان ما من أحد يضمن إبقاء لغة القتل والحكمة سائدة في حال تكررت مثل هكذا حوادث، لا سيما وأن الشارع بات مادة قابلة للاشتعال نتيجة حالة الاحتقان الموجودة ونتيجة لعمليات التحريض التي تجري والتي تعيدنا بالذاكرة إلى حروب سابقة حصلت وأنهكت الداخل اللبناني وخرج منها الجميع خاسراً.
وإذا كان هؤلاء المتابعون لمسار الأحداث المتتالية على الساحة اللبنانية على كافة المستويات يسقطون من حساباتهم أي انجرار لحرب أهلية على المستوى الذي حصل في سبعينات القرن الماضي، فانهم في الوقت نفسه يخشون من المواجهات المتنقلة في أكثر من منطقة، نتيجة الاصطفافات الحاصلة والتي لها وجهة سير وحيدة في هذه المرحلة وهي الانتخابات النيابية، معتبرين ان هناك معادلة موجودة على أرض الواقع تجعل الخشية من وقوع حرب واسعة في الداخل اللبناني أمراً ليس في محله، وهي ان الفريق الذي يريد الحرب لا يستطيع خوضها، ومن يستطيع خوضها لا يريدها، وهناك أمثلة حية على حوادث كثيرة وقعت كان من الممكن ان تؤدي إلى حرب داخلية تجاوزها لبنان بفعل هذه المعادلة التي من غير الممكن ان يتكهن أحد الى متى تبقى سارية المفعول في ظل أجواء التشنج العالية التي تشهدها الساحة الداخلية.
وفي مقابل ذلك، فان ثمة مراقبين لما يجري على مستوى لبنان والمنطقة، يرون ان ما يشهده لبنان في هذه الآونة، هو نتيجة حتمية للمخاض العسير الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، وهذا المخاض يتزامن مع ما يطبخ في الغرف المغلقة إقليمياً ودولياً لتسوية شاملة في المنطقة والتي قطعت إلى الآن شوطاً لا بأس به في الاتجاه الصحيح، إن كان على مستوى المفاوضات الجارية بين المملكة العربية السعودية وإيران التي تحدثت في الساعات الماضية عن عودة تصدير البضائع الإيرانية إلى المملكة وإن على نطاق ضيق، والتي من الممكن ان تصل الى حدّ التبادل الدبلوماسي في وقت قريب في حال بقيت هذه المفاوضات تسير بالاتجاه الايجابي الذي هي عليه اليوم، الى جانب ذلك هناك أيضاً الملف النووي الإيراني حيث توحي المعطيات المتوافرة والمتزامنة مع حسن نوايا تبديه كل من واشنطن وطهران، بأن مياه هذا الملف الراكدة منذ أشهر قابلة للتحرك في غضون أيام أو أسابيع قليلة، وفي حال وصلت هذه المفاوضات الى خواتيمها الإيجابية فإن ذلك سينعكس حكماً على ملفات المنطقة ذات الصلة، ولبنان بالتأكيد سيكون المستفيد الأكبر من تقدم أي مفاوضات على هذا المستوى.
من هنا فإن هؤلاء يرون ان إمكانية حدوث توترات في لبنان وخارج لبنان موضوعة في السبات من باب أن كل فريق من أفرقاء التفاوض سيسعى الى تحسين شروطه على الطاولة عن طريق ممارسة الضغوط في العديد من الملفات المفتوحة في المنطقة، وهذا الأمر يستدعي التنبه من أن يكون لبنان في حال لم يحسن مواجهة الرياح العاتية التي قد تهب عليه في أية لحظة، من ان يدفع الثمن لهذه التسوية المرتقبة في المنطقة، ولنا في ذلك أمثال كثيرة على تسويات حصلت وكان لبنان في طليعة الذين قدموا الأثمان لتمرير مثل هكذا تسويات منذ كامب ديفيد إلى الآن.
وحيال ما تقدّم يدعو المراقبون إلى احتواء ما جرى في الطيونة، وقد ترك تداعيات الحادثة تتفاعل في المدى المنظور، خوفاً من أن يتكرس واقع الخلاف بين المنطقتين المتداخلتين، ويؤدي ذلك بدوره إلى وقوع المنطقة في فخ سيكون ضرره مكلفاً على الجميع، لا سيما وأن هناك من بدأ يخشى ان تتسلل تداعيات احداث الخميس إلى مجلس الوزراء وتقوم بتعطيل أعماله، بما ينعكس تدهوراً كبيراً على المستويين الاقتصادي والاجتماعي ويجعل المجتمع الدولي ينكفئ عن مساعدة لبنان وتركه لمصيره.