يبدو أن تحديات هامة تبرز في مواجهة أميركا وأدواتها وعملائها وشركائها في المنطقة مع اقتراب تحول الوجود الأميركي في العراق إلى وجود عسكري للتدريب يبعد ظاهراً عن صيغة المهام القتالية التي تتعدى الدفاع عن النفس وحماية القواعد والمراكز التي ينتشر فيها، وعلى مسافة شهرين تقريباً من تاريخ ذاك التحول الموعود وما سيستتبعه من مراجعة مماثلة للوجود الأميركي في سورية، وهو الوجود الذي يشكل احتلالاً أجنبياً لأراضي دولة مستقلة عضو في الأمم المتحدة.
تحديات تفرض على من ذكرنا، البحث عن مسارات تلبي طموحاتهم أو ما أملوا النفس به خلال مرحلة العدوان على سورية وهم باتوا يلمسون الآن أن الحرب الكونية التي انخرطوا بها ضد سورية دخلت في مراحلها الأخيرة وهي تلفظ أنفاسها مع يقين الجميع بأن سورية انتصرت وانتصر محور المقاومة التي تنتمي إليه وتشكل عموده الفقري، لذلك فإن المتضررين من هذه النتائج باتوا يشعرون بأن عليهم العمل وبسرعة من أجل تأخير إعلان انتصار عدوهم وحجب هزيمتهم والحؤول أو على الأقل تأخير عملية استثمار المنتصر لانتصاره بشتى الطرق والأساليب حتى ولو كان في الأمر عودة للأعمال الإرهابية التي افتتحت بها الحرب – العدوان الكوني على سورية، من دون إغفال استثمار فرص الانتخابات في هذا البلد أو ذاك بخاصة في العراق ولبنان لتشكيل أكثريات تتولى السلطة وتنصاع للإملاءات الأميركية.
أما ميدان التحرك الذي سيشهد الرد على انتصار محور المقاومة سيكون كما يبدو أوسع ميدان ممكن الوصول إليه من قبل المعتدي المتشكل من أميركا وشركائها وأدواتها، بخاصة إسرائيل وتركيا والجماعات الإرهابية المتعددة العناوين والأسماء، ولا يكون في الأمر مغالاة إن قلنا بأنهم سيتجهون للعمل من أفغانستان شرقاً إلى لبنان غرباً مروراً بكل من إيران والعراق وسورية، ويعتمدون أساساً في التصرف مقولة «الفيل المتحرك في متحف الزجاج» حيث أنه يحطم عندما يدخل ويحطم عندما يخرج، ولا يسلم الأمر من التحطيم أثناء مكوثه، هذا هو شأن الاحتلال الأجنبي الذي تعاني منه المنطقة وتنفذه أميركا وشركاؤها وأدواتها.
بهذا المنطق نفسر ما يخطط لأفغانستان من حرب أهلية باتت نذرها واضحة من خلال استهداف إرهابيي «داعش والقاعدة» للمدنيين في المساجد والساحات والتركيز على استهداف المسلمين الشيعة لحملهم على الانجرار إلى العنف المسلح، كما نفسر اللغط حول الانتخابات النيابية في العراق وهي الانتخابات التي رفضت القوى الملتزمة لمبدأ تحرير العراق من الاحتلال الأميركي الاعتراف بنتائجها بعد أن اتهمت المفوضية العليا للانتخابات بتزويرها وتضييع أثر الإرادة الشعبية الصحيحة، أما في سورية وبعد عظيم النجاح في معالجة وضع الجبهة الجنوبية وقطع اليد الإسرائيلية فيها واقتراب موعد فتح معركة تحرير إدلب وبعد بوادر الانفتاح العربي والإقليمي والدولي على الحكومة السورية بعد التجديد للرئيس بشار الأسد في ولاية رئاسية أخرى، بعد كل ذلك يعود الإرهاب ليضرب في دمشق بيد تحمل عنواناً تركياً-إسرائيلياً وطبعاً برضا وتشجيع أميركي.
أما لبنان وهو الميدان الأكثر حساسية والأكثر تعقيداً بالنسبة لتحالف العدوان على المنطقة بقيادة أميركية، فإن أميركا ومنذ 3 سنوات على التوالي تجد نفسها تتخبط في ميدانه عاجزة عن فرض إرادتها فيها بالإمساك بقراره وعزل المقاومة ثم تفكيكها باعتبار «حزب الله الذي يقودها هو العدو الأول لأميركا» على حد ما نقل عن مبعوث أميركي جاء إلى لبنان أخيراً.
لقد حاصرت أميركا لبنان ودفعته إلى الانهيار النقدي والانهيار الاقتصادي بعد فراغ سياسي فرضته عليه وخططت له وما زالت لدفعه إلى انهيار أمني يقود إلى حرب أهلية توطئ لإسرائيل العودة إلى لبنان لتنفيذ هدفها الاستراتيجي ضد المقاومة التي ترى إسرائيل فيها تهديداً وجودياً، لكن كل ذلك لم يجد نفعاً وعرفت المقاومة كيف تتصرف وتواجه ونجحت في إلزام أميركا بالتراجع عن تدابيرها الإجرامية بحق لبنان وسد الفراغ السياسي عبر تشكيل الحكومة، وكان وعد بالتراجع عن الحصار ولو جزئياً لكن القرار بالحرب الأهلية بقي الملجأ لإنقاذ الموقف الأميركي الإسرائيلي الخليجي في لبنان، ولهذا كان كمين الطيونة المزدوج من أجل دفع المقاومة إلى الشارع وتحويل وجهة سلاحها إلى الداخل ليسهل بعد ذلك محاصرته ثم نزعه.
لقد نفذ حزب القوات اللبنانية عدواناً على المقاومة وجمهورها قصد منه جرها إلى فتنة وحرب أهلية، ولذلك كان الكمين المسلح في الطيونة وعلى مرحلتين أو درجتين، الأولى بالقنص من على السطوح ضد تجمع لمسيرة مدنية في شارع مفتوح، والثانية ضد المجموعات التي تفرقت عن التجمع الأم وتوجهت إلى شوارع فرعية لاتقاء رصاص القناصين، فالكمين المزدوج أعد بعناية لجر المقاومة إلى اشتباك يخرج عن السيطرة ويحقق حلم المشغلين.
إذن وفي جمع وتحليل لما استهدف محور المقاومة في مرحلة مراجعة أميركا لوجودها في المنطقة، وهي المراجعة التي يسميها البعض انسحاباً (ونحن لا نوافق على هذا التوصيف ) ونسميها نحن إعادة انتشار وتمركز في مهمة واستراتيجية جديدة للمحافظة على المصالح الأميركية، في تحليل لهذا نجد أن التحالف الذي تقوده أميركا ينفذ في مرحلة إعادة الانتشار الأميركي هجوماً معاكساً يعتمد فيه أنواع من الأعمال والعمليات تتوزع على الأمن والسياسة والاقتصاد.
ففي الأمن ستعود الأعمال الإرهابية إلى ساحات مكونات محور المقاومة وحلفائهم بشكل واسع، إما للقتل والترويع وعرقلة تحرك عجلة الحياة الطبيعية، أو للإنهاك الاجتماعي ومنع استثمار الانتصار أو منع استكمال عمليات استعادة الدولة لسيادتها كما يحصل في سورية أو تأخير ذلك، أو لدفع البلاد إلى فتنة وحرب أهلية كما يسعى الآن في لبنان والعراق ولا يستبعد في أفغانستان أيضاً.
وفي السياسة يشمل الهجوم الأميركي المعاكس السيطرة على العمليات الانتخابية والعبث بمجرياتها والتحكم بنتائجها لتنطق صناديق الاقتراع بالإرادة الأميركية بعيداً من الإرادة الشعبية، ما يمكن أميركا بعد ذلك من عزل القوى المقاومة ونبذها ومحاصرتها في مجتمعاتها التي يفرض عليها تجنب العمل معها وفقاً لما تملي أميركا، وهذا ما تسعى إليه أميركا الآن في كل من العراق ولبنان بصورة خاصة.
أما في الاقتصاد فإن الهجوم الأميركي المعاكس يستمر في الاعتماد على استراتيجية الحصار والعقوبات، لكن بشكل «ذكي» ومرن وضمن حدود لا تسمح للخصم بالاستغلال وتحويل التحدي إلى فرصة.
أمام هذه المخاطر سيجد محور المقاومة نفسه ملزماً بالتعاطي مع هذه التحديات، بخاصة مسألة الفتنة والحرب الأهلية بأقصى درجات الحذر والشدة والحزم والامتناع عن الانزلاق إلى حيث يريد العدو. من هنا نجد أهمية ما تضمنه كلام سماحة السيد حسن نصرالله من رفض الحرب الأهلية وإظهار قوة المقاومة ذات الهيكل العسكري المتشكل من 100 ألف مقاتل (عدد قابل للارتفاع إلى 250 ألفاً)، عملاً بمبدأ جوهري في حفظ الأمن يقول «اظهر القوة حتى لا تستعملها»، وتجنباً لما يقال في القانون الجنائي «القاتل والقتيل شريكان في الجريمة، القاتل لأنه بادر والقتيل لأنه بضعفه أغرى القاتل بقتله».
أما مواجهة العدوان في السياسة والاقتصاد فلا بد لمحور المقاومة من اجتراح التدابير الإبداعية التي تفشل الهجوم عليه، بخاصة أنه جرب وسائل سابقة أعطت نتائج إيجابية هامة كسياسة البدائل في الاقتصاد والاستقطاب والاستيعاب وتوسيع التحالفات في السياسة.