تتفاقم معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مع كل خطوة لبنانيّة لرفع الدعم الرسمي، على اعتبارهم من اكثر الفئات تأثرا بهذه القرارات بسبب غياب البدائل التي تخفف منها ولو قليلا وسط الازمات المعيشية المتلاحقة والغلاء وارتفاع الاسعار، في حين أن النازحين السوريين تتولى قضاياهم الاغاثية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة، اما اللاجئون الفلسطينيون فهم مستثنون من الدعم ويعتمدون اعتمادا كليا على "الأونروا".
والعجز المالي لم يقتصر على تقليص الخدمات الصحّية والتربويّة والاجتماعية التي تقدمها "الاونروا"، رغم الحاجة الماسة اليها ارتباطا بالازمة اللبنانية المتلاحقة وارتفاع نسبة الفقر المدقع والبطالة، حتى بدأت تهدد رواتب موظفيها البالغ عددهم نحو 28 ألفا في الاقطار الخمسة (لبنان، سوريا، الاردن، غزة والضفة الغربية).
ورجحت مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، ان يتأخر دفع رواتب الموظفين هذا الشهر على غير العادة وقد يحصلون على جزء منه ابتداء من شهر تشرين الأول الجاري، إن لم يتم المسارعة لتغطية العجز المالي؛ فما بقي من المبلغ الذي حوّله الإتحاد الأوروبي لميزانية الأونروا (104 مليون دولار) وقيمته 42 مليون دولار سيغطي فقط لجزء من قيمة الرواتب الإجمالية والمصاريف الضرورية الأخرى لهذا الشهر والبالغة 60 مليون دولارا حسب الناطق الرسمي "الأونروا" سامي مشعشع (الجمعة 15/10/2021)، بينما ما حولته الكويت لميزانية "الأونروا" (21.5 مليون دولار) فإنه وحسب الاتفاقية فإن مبلغ 10 مليون دولار منها خصصت لهذا العام و10 مليون دولار للعام المقبل (2022)، ومليون ونصف المليون لدعم خدمات الاستشفاء فى لبنان.
ويؤكد مدير عام الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين الباحث علي هويدي لـ"النشرة"، ان الاتحاد الاوروبي وعد بتقديم 90 مليون دولار اميركي لسد العجز، ولكن الاجراءات الادارية للتطبيق تتطلب اسابيع، وسط احتماليّة كبيرة بتأخر دفع الرواتب، ما يعني ان الازمة المالية ما زالت موجودة وانها انتقلت من الخدمات الى الرواتب، ما يدفعنا لدعوة الأمم المتحدة والدول التي أيدت تمديد عمل "الأونروا" (167 دولة) لثلاث سنوات جديدة على اعتبار أن بقاء الوكالة حاجة انسانية ماسة وضرورية لأكثر من 6 مليون لاجئ فلسطيني مسجل، وعنصر أمن وإستقرار في المنطقة، ودعوة الدول المانحة واللجنة الإستشارية للوكالة أن يتحملوا مسؤولياتهم ليس فقط في معالجة هذه الأزمة، وإنما للتخلص بالكامل منها ونأمل أن يتحقق هذا خلال المؤتمر الدولي لدعم "الأونروا" والذي يجري التحضير له من قبل الاردن والسويد في "بروكسل" الشهر القادم.
اغلاق المنامة
الى جانب تهديد رواتب الموظفين وفي خطوة غير مسبوقة، قررت وكالة "الاونروا" اقفال منامة مركز "سبلين" المهني في اقليم الخروب، الذي كان يقطن فيه مئات الطلاب من المخيمات والمناطق البعيدة مثل الشمال والبقاع وحتى بيروت، وقد اعتبرته القوى السياسية مؤشرا خطيرا في اتجاه تقليص الخدمات، بينما برّرت ادارة "الاونروا" القرار بانه موقّت وسببه الحرص على عدم تفشّي فيروس "كورونا" بين صفوف الطلاب في حال تم افتتاحه.
وهذا التبرير، لم يقنع الكثير من القوى الفلسطينية التي طالبت ادارة "الاونروا" بالتراجع الفوري عنه، وربطته بالاخطر بأنه يأتي ضمن إجراءات تقود لتخفيض الخدمات، إستجابة للضغوط الاميركية والاسرائيلية، مستغربة اتخاذ مثل هذا القرار بشكل مزاجي ودون الرجوع والتشاور مع القوى واللجان الشعبية وتحت ذريعة انه اتخذ لحماية الطلبة، لان الوقائع تكذبه بعد بدء العام الدراسي بشكل حضوري حتى لو كان بشكل جزئي.
وتؤكد مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، أن وجود منامة للطلبة في مركز "سبلين" ليس أمرا ترفيهيا، بل تفرضه ظروف وتعقيدات الحياة في لبنان والتي لا زالت متواصلة، بل ازدادت سوءا، سواء الاقتصادية والاجتماعية بعدم قدرة الطلبة الذين يقيمون في مناطق بعيدة على تحمل نفقات المواصلات، حتى لو كانت الاونروا هي من ستقوم بتأمين باصات النقل التي قد تستغرق ساعات طويلة نظرا لبعد المسافة، او اسباب ميدانية لجهّة امكانية اغلاق الطرق في اية لحظة، كما حصل خلال السنتين الماضيتين اثناء التحركات الشعبية اللبنانية، والتي لم تنته بعد.
ورفضت "هيئة العمل الفلسطيني المشترك" واللجان الشعبية للقوى الوطنية والإسلامية في منطقة صيدا هذا القرار، واعتبرت "ان ادارة الوكالة تعتمد سياسية التخفيض التدريجي للخدمات، غير آبهة بما وصل اليه اللاجئون من تدنٍّ خطير في مستوى معيشتهم، خاصة خلال السنوات الماضية، حيث شهدت برامجها المختلفة المزيد من التخفيض، بذريعة الازمة المالية.
وأكد عضو "الهيئة" ومسؤول "الجبهة الديمقراطية" في عين الحلوة فؤاد عثمان ان هذه الخطوة خطيرة، وفي الوقت الذي كان فيه اللاجئون في لبنان ينظمون تحركات شعبية في جميع المخيمات، مطالبين الاونروا بصرف بدل مواصلات وتأمين القرطاسية للطلبة، اقدمت ادارة التربية والتعليم في الاونروا على الغاء "قسم المنامة" "من وراء ظهر القوى السياسية واللجان الشعبية والمنظمات الشبابية والطلابية وهيئات المجتمع المحلي، وهو ماسيترك تداعيات سلبية لجهة عزوف الكثير من الطلبة عن التسجيل.
وحتى هذه اللحظة، فان كثيرا من الطلاب لم يتوجهوا الى مدارسهم وجامعاتهم ومعاهدهم والسبب عدم قدرة الاهالي على دفع بدل المواصلات في ظل ارتفاع اسعار المحروقات المتزايد والغلاء الفاحش للمواد الاستهلاكية والسلع الغذائية والأدوية والقرطاسية وقدفاق سعر بعضها عن الـ1000 %، فيما وعود الوكالة بتأمين بدل النقل لطلاب المدارس ومعهد سبلين ما زالت مجرد حبرا على ورق ولم تنفذ بعد.