سيطر الخلاف الدستوري حول نصاب المجلس النيابي، بين رئيس المجلس نبيه بري ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، على الجلسة التي عقدت يوم أمس، إلا أن لهذا الخلاف تداعيات خطيرة، لا تتوقف عند إمكانية الطعن بما تم إقراره بالنسبة إلى تصويت المغتربين، بسبب إقراره بأغلبية 59 نائباً كأغلبية مطلقة بدل 65 نائباً، بل من الممكن أن يقود إلى خلافات أخرى في إستحقاقات مقبلة، سواء كانت تتطلب الأغلبية المطلقة أو نصاب الثلثين.
من الناحية الدستوريّة، يمكن الحديث عن وجهتي نظر حول هذا الأمر، الأولى تستند إلى التفسير الذي كان معتمداً قبل إقرار إتفاق الطائف، عندما أخذت الهيئة العامة قراراً حسم السجال الدائر حول احتساب نصاب البرلمان، بالإستناد إلى رأي العالم الدستوري الفرنسي جورج فيديل، ينص على احتساب الغالبية من عدد النواب الأحياء حاضرين ومتغيبين من دون المتوفّين، على أن تحتسب الغالبيّة أيضاً من العدد الكامل الصحيح الذي يأتي بعد النصف، لا على أساس النصف زائداً واحداً.
أما وجهة النظر الثانية، فهي تستند إلى القانون رقم 11 تاريخ 8 آب 1990، الذي نص على أنه "بصورة استثنائية، وحتى اجراء انتخابات فرعيّة أو عامّة وفقاً لأحكام قانون الانتخاب، وبالنسبة إلى النصاب المقرر في الدستور، يعتبر عدد أعضاء مجلس النواب الأعضاء الأحياء".
في هذا السياق، تشير مصادر قانونية، عبر "النشرة"، إلى أنّ أصحاب وجهة النظر الأولى يعتبرون أنه من الممكن الأستنئناس والإسترشاد بالقرار والقانون من أجل تثبيت وجهة النظر التي يتبناها رئيس المجلس النيابي، وبالتالي إعتماد النصاب بالإستناد إلى عدد أعضاء المجلس الأحياء، بينما أصحاب وجهة النظر الثانية يعتبرون أن القانون نص بشكل حاسم على أن هذا الإعتماد جاء بصورة إستثنائية، مرتبطة بإجراء إنتخابات فرعية وعامة، وبالتالي لم يعد من الممكن العودة إليه، الأمر الذي يرجّح كفة موقف باسيل من هذه المسألة.
وتلفت هذه المصادر إلى أن هذه المسألة كان من الممكن أن تعالج من خلال تولّي المجلس النيابي، في الجلسة نفسها، تفسير النص الدستوري لحسم الجدل، إلا أنّها تشير إلى أن هذا الأمر لم يكن ممكناً بسبب تطلّبه أكثرية الثلثين، التي كان من الممكن أن تقود إلى جدل آخر حول عدد النواب المطلوب لتأمين أكثرية الثلثين، بينما بري ردّ على النائب جهاد الصمد، الذي كان من بين المحتجّين على إعتماد نصاب الـ59، بأنه لم يتمّ تفسير الدستور في الجلسة.
على الرغم من ذلك، فإن العودة إلى جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون، في العام 2016، توحي بأن رئيس المجلس النيابي بدّل من رأيه من هذه المسألة، بحسب المصادر نفسها، حيث أكّد، لدى السؤال عن عدد النواب في ذلك الوقت، أن عدد النواب حالياً هو 127 (بسبب استقالة النائب السابق روبير فاضل)، لافتاً إلى أن "النصاب هو 86 نائباً لأن عدد النواب يأخذ على أساس عدد النواب المسجّل قانوناً (128) وليس واقعياً (127)". مع العلم أن إعتماد عدد النواب الواقعي كان يفترض أن يكون النصاب في تلك الجلسة 85 نائباً بدل 86، بينما الغالبية المطلقة هي 64 نائباً بدل من 65.
في المحصلة، عدد النواب المسجل قانوناً هو ذلك المنصوص عنه في قانون الإنتخاب، أي 128 نائباً، وبالتالي، بحسب المصادر القانونية نفسها، فإن ما طرحه باسيل، في جلسة الأمس، هو موقف بري في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، لكنّ الأخير بدّل رأيه من دون أن يوضح الأسباب التي دفعته إلى ذلك.